×

ميشال ورجا... يمشيان في هذا العالم ولا يتعبان

التصنيف: المرأة

2009-12-12  06:42 ص  2227

 

يوسف حاج علي

عندما التقى ميشال أبو رجيلي ورجا زحلان في أحد الماراثونات، في منطقة فقرا، لم يكونا يعلمان أنهما سيصبحان صديقين مقربين. ميشال، ثمانيني، ورياضي عتيق، من بحمدون. ورجا، ستيني، من عاليه.
احترف ميشال الرياضة منذ طفولته وسبر أغوارها ونشدها رجا بعدما أدركه مرض السكري. سوياً سيقومان بالعديد من رحلات المشي وسيشاركان في الكثير من سباقات الجري. هذه الرحلات تبدأ بتسلق قمة القرنة السوداء ولن تنتهي بالمشي على القدمين من بحمدون إلى الشام.
سبق لميشال أن رفع العلم اللبناني في الكثير من الأماكن، إحداها على أعلى قمة جبل في استراليا التي يحمل جنسيتها وكان قد هاجر إليها في أوائل الثمانينيات.
أرشيف الرجل، الذي يرفض أن يشيخ، كبير وواسع. تملؤه عشرات الميداليات والكؤوس في أربع أنواع من الرياضة على الأقل. الجري والدراجات الهوائية والمصارعة وكرة القدم. تجانب الأرشيف الرياضي عشرات الصور. هذا الأرشيف يسميه ميشال «رحلة العمر الرياضية». يقرأ عمره في الرياضة التي بدأها طفلاً في بلدته، بحمدون، يوم كانت في أواخر الثمانينيات تتشكل من ستين أو سبعين منزلاً. يخرج مع أترابه ليلعب بلعبة «العصفورة»، لعبة أولاد الجبل، ولعبة الـ«حميت» التي صارت مع الوقت «الكنز المفقود». وهاتان لعبتان تعتمدان على النشاط والقوة البدنية والنفس الطويل. وعائلة أبو رجيلي هي من كبريات عائلات بحمدون. يحفظ ميشال جميع أبطال العائلة من الرياضيين في مختلف الألعاب التي أبدعوا بها. يسميهم واحداً بعد آخر.
لا يحسن رجا، الذي مارس الألعاب نفسها في صغره، تحديد العلاقة التي تربطه بميشال. ينظر إليه بخجل ويقول عنه إنه «صديق وأخ كبير». الصداقة بين الرجلين اللذين تفصل عشرون سنة بينهما تأتي على خلفية الروح الرياضية التي تجمعهما. والرياضة تعني الأخلاق والاحترام والتهذيب والأدب. هكذا يفهمانها عندما يتعاملان مع بعضهما البعض بمنتهى اللياقة. هذه الصداقة بات عمرها اليوم أربع سنوات. وبرغم قصر مدتها، ووصولها المتأخر، يبدو أنها تحمل الكثير من المعاني الجميلة غير الظاهرة للعيان.
في رحلتهما الأخيرة سار ميشال ورجا من بحمدون إلى الشام. المسافة من بيروت إلى الشام، والتي تبلغ 92 كيلومتراً، أخذت منهما 11265 خطوة بالضبط. يحمل ميشال ساعة تقيس عدد الخطوات التي يقومان بها. والرحلة استهلكت 18 ساعة و22 دقيقة من الوقت بالضبط. انطلقا عند التاسعة مساء وسارا طوال الليل حتى يستفيدا من الوقت المخصص للنوم. وكل ساعة أو ساعتين كانا يستريحان لعشر أو خمسة عشر دقيقة. وعند نقطة المصنع التقيا بالسفير اللبناني في دمشق ميشال الخوري وعقيلته. وبعد ساعات أخرى التقيا به للمرة ثانية في السفارة اللبنانية في العاصمة السورية.
زوادة الرحلة هي كنزة، بدلة رياضية، منشفة، ماء، وأطعمة خفيفة ذات سعرات حرارية عالية مثل النقولات من زبيب ولوز وصنوبر، وسكريات مثل التمر والملبن.
الرحلة هي الأولى للاثنين إلى الشام. رجا خرج بفكرة السير من عاليه إلى بشامون لكن ميشال كان يريد شيئاً أكثر تميزاً، «كنت أريد أن تقول الصحافة والناس ميشال أبو رجيلي سار من بيروت إلى الشام!».
ليست المرة الأولى التي يقطع فيها ميشال مسافات طويلة. الرجل يحب البطولات منذ مطلع شبابه. يقول عن هذه الرحلة إنه لم يسبقه إليه فيها أي لبناني آخر. قبل هذا كان قد صعد إلى أعلى قمة جبل في أستراليا (يبلغ ارتفاعها 2228 متراً) في طقس عاصف. وفي أستراليا من حاول أن يمنعه من إتمام هذا الأمر بسبب سنه المتقدم «رآني عجوزاً وقال لي يتوجب عليك أن تعود أدراجك، فرفضت. قلت له إني أتيت من الشرق الأوسط لأرفع علم لبنان على أعلى القمة ولن أتراجع». وأمام إصراره وإصرار مشاركين آخرين، تراجع المنظم. وهكذا رفع ميشال العلم اللبناني الثالث في استراليا بعد العلمين الأولين فوق القنصلية في سيدني، وفوق السفارة في كانبرا.
في العام 1958 وصل إلى القدس على دراجته الهوائية. ووقتها كانت الضفة الغربية من ضمن أراضي المملكة الأردنية الهاشمية وقد ظلت كذلك حتى العام 1967 حيث وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلي. انطلق ميشال من بحمدون ومر عبر سوريا فالأردن. منذ مطلع شبابه دائماً ما بحث عن تسجيل أرقام لم يسبقه إليها احد. عندما وصل إلى الأردن قادماً من سوريا قال له الأمن العام الأردني على الحدود إن عليه أن يصل إلى عمان من اجل تجديد تأشيرة الدخول. لم يوقفه عناصر الأمن العام. سمحوا له بالوصول إلى عمان على الرغم من أن أوراقه لم تكن مكتملة. قدروا له أنه رياضي.
بعدما وصل إلى العاصمة الأردنية، قصد المنطقة التي يتواجد فيها مركز الأمن العام. أمام سلم عريض يتألف من أربعين أو خمسين درجة حمل دراجته الهوائية على كتفه لينزل إلى المركز. في منتصف السلم سيلتقي شخصاً. الشخص سأل ميشال: «أين تذهب يا أخ؟». فأخبره ميشال، الذي كان يرتدي شورتاً وقميصاً قصيراً أنه وصل إلى الحدود ولم يتم إيقافه وهو في صدد تسوية أوراقه. أعلمه الشخص أن دوام العمل الرسمي قد انتهى. لكن ميشال كان يتوجب عليه أن يغادر في الصباح الباكر إلى القدس. عندما علم هذا الشخص منه هذا الأمر طلب منه أن يرافقه بعدما عرف عن نفسه على انه «المعني بهذا الأمر».
في مركز الأمن العام ختم «المسؤول» أوراق ميشال وأصر على أن يقدم له شاياً. نام ليلته في عمان وفي الصباح التالي كان في القدس. في اليوم الثاني من تواجده في فلسطين قرر أن يزور بيت لحم. استيقظ باكراً وخرج من الفندق الذي بات ليلته فيه. لم يكن قد تناول الإفطار بعد. سار على دراجته الهوائية نحو 18 كلم إلى أن وصل إلى مقهى. دخل إلى المقهى لينال استراحة فيه. وفي الداخل كان الجميع يستمعون إلى الراديو. سأله أحد رواد المقهى: «لبناني؟ تعال اسمع ماذا يحدث عنكم...» كان الصحافي نسيب المتني قد قتل والبلاد في حال من الإضراب. بعدما سمع الأخبار عاد مباشرة إلى القدس. حمّل دراجته الهوائية على سيارة أجرى، ومن القدس، مرة أخرى، إلى عمان. عندما وصل إلى سوريا تمنى عليه السائق الأردني تغيير قميصه الرياضي الذي كان يحمل الأرزة اللبنانية. لم يشرح له السائق السبب، ومع هذا، التزم بطلبه. وفي الشام سأل السائقين: «لبنان؟»، قاصداً وجهته، فنظرت إليه العيون الغاضبة. ولما لم يقبل أحد على إقلاله إلى لبنان اتفق مع احد السائقين على توصيله إلى الجديدة «وهناك رأيت العمال السوريين يملأون المكان... كان كميل شمعون، رئيس الجمهورية وقتها، قد جمع كل السوريين ورماهم على الحدود...» ومن شتورة إلى بحمدون حيث سيستقبل استقبالاً كبيراً.
لا يقاطع رجا صديقه عندما يروي قصصه هذه. يحرص على الانتباه إلى تفاصيلها كأنه يستمع إليها للمرة الأولى. يكتفي بإضافة بعض التفاصيل على نشاطاتهما المشتركة. يتطلع إلى ميشال كمثل أعلى. رجا انطلق في الرياضة منذ احد عشر عاماً بالضبط بعدما أدركه السكري. كان وزنه وقتها 115 كيلوغراماً. اليوم يزن تسعين كيلوغراماً «وأشعر أني ابن خمسة وعشرين عاماً، أي اصغر من أبنائي. ما أقوم به اليوم لم أقم به في حياتي كلها». يقصد النشاط والحيوية اللذين بات يتمتع بهما.
يضيف: «فوجئت عندما أصابني السكري. السكري يأتي من الحزن والكبت وعدم الانتباه للجسم. مثلما هناك غذاء للروح يجب أن يكون هناك غذاء للجسم. أفلاطون الحكيم قال: العقل السليم في الجسم السليم».
تشكل الرياضة اليوم علاج رجا فهو لا يتناول أية أدوية ويحرص على تناول الأعشاب. أعشاب جبلية مثل الهندباء، والدردر، ولسان الثور، وقرص العنة. نباتات ما عادت معروفة للكثير من الناس في يومنا هذا.
ما زال ميشال يحلم. وأحلامه دائماً ما تحمل شيئاً من البطولات التي يهوى تحقيقها. يتمنى في هذا الحلم أن يكون رجا معه. الحلم هو أن ينزل في جزيرة كبيرة تبعد عن استراليا نحو الساعتين في الطائرة اسمها «نيوبوبوغيني» (Papua-New Guinea) .
المنطقة التي يريد أن ينزل فيها كانت ساحة لمعركة تاريخية في يوم من الأيام. والجزيرة كانت مستعمرة فرنسية نزل فيها اليابانيون أثناء الحرب العالمية الثانية وأضلوا الطريق. عرف الجيش الأسترالي بالنزول الياباني فأرسل قواته إلى الجزيرة عن طريق البحر. وبعدما نزل المقاتلون الاستراليون مشوا عشرة أيام في الأدغال والوديان والأنهر فباغتوا الجيش الياباني في موقعة اسمها «كوكودا ترايل» وانتصروا عليه، فأسر من أسر وقتل من قتل.
هذا المكان، صار محجاً للأستراليين لأنهم ربحوا معركة فيه ويحمل دلالات تاريخية كثيرة بالنسبة إليهم. حلم ميشال أن يرفع علم لبنان هناك. عندما أرسل أوراقه طلباً للمشاركة في هذه المغامرة رد المنظمون طالبين منه العديد من التفاصيل التي لها علاقة بجسمه، وطوله، ووزنه، وأسنانه، والعمليات الجراحية التي أجراها، والأمراض التي يعانيها، ونوعية التمارين التي يمارسها، بعدما فوجئوا بسنه. طلبوا منه أن يرد بأمانة. وهكذا فعل. أكبر معمر طلب المشاركة في هذه المغامرة قبله كان في الستين.
لكن تظل أمام المغامرة عقبة واحدة يأمل ميشال تخطيها: التمويل الذي يكلف نحو عشرة ألاف دولار بين بطاقات سفر وإقامة وتفاصيل أخرى».
سئل ذات يوم ماذا تشعر وأنت على قمة الجبل، فأجاب: «أشعر أني ملك على مملكتي

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

تابعنا