×

أوتيل الشرق معلم صيداوي لم يقفل أبوابه منذ العام 1947

التصنيف: إقتصاد

2014-02-06  07:37 م  1012

 

سامر زعيتر / اللواء

لا يزال في ذلك المكان، يقوم بدوره في أحلك الظروف، وإن كان سوادها يلقي بثقله عليه يوماً بعد أخر، لكن إرادة الإصرار على ابقائه مفتوحاً قد تبدو ضرباً من ضروب الجنون...
إنه "أوتيل الشرق"، النزل الوحيد المتبقي في عاصمة الجنوب، مدينة صيدا، وإن اتخذ اسم الأوتيل تسهيلاً لفهم العامة من الناس. بقي وحيداً فيما أقفلت البقية أبوابها، لتغيب عن الخارطة السياحية في صيدا كل من: "نزل لبنان"، "نزل رومانوس"، "نزل فينيقيا" و"نزل عطية"، بعدما حولها الإقفال الى مخازن ومستودعات...

دور اضطلع به ولا يزال قبيل منتصف القرن الماضي، بعدما تحول من ثكنة عسكرية إلى تعاونية للجيشين الفرنسي والإنكليزي في الحرب العالمية الثانية، لكن انطلاقته كنزل كانت مع افتتاح "شركة التابلاين" لمصفاة الزهراني في العام 1947...

"لـواء صيدا والجنوب" يسلط الضوء على هذا المكان التاريخي الذي لا يزال مستعداً لاستقبال 14 نزيلاً من الطبقات الشعبية...

أيام عز ولت

قبل سنوات خلت لم يكن في مدينة صيدا مكان سواه لاستقبال الزائرين، لكن افتتاح فندقين في المدينة غير هذه المعادلة، فضلاً عن بعض الأماكن التي توفرها بعض الجمعيات في المدينة، لكن ما يميز "أوتيل الشرق" عن غيره من الأماكن، كونه مخصص للطبقات الشعبية، وربما هي ميزة تفقده قيمته التاريخية.

ويشير صاحب هذا المكان محمد السوسي الى "أن النزل يتألف من 6 اضافة الى مسكن يقطنه ويعلو البناء، وهو مخصص لاستقبال 14 نزيلاً من الطبقات الشعبية".

ويقول: بدأ العمل في بناء "أوتيل الشرق" على يد والدي الحاج طه السوسي في العام 1947 وذلك بالتزامن مع بدء العمل في "شركة التابلاين" لاستقبال النفط عند منطقة الزهراني، حيث توقع والدي مع أبناء المدينة ازدهار المنطقة بفعل قدوم العمال الأجانب، من هنا انطلقت فكرة تأسيس هذا النزل.

ويضيف: شهد الفندق مرحلة من الإزدهار خلال فترة الستينيات بفعل قدوم العمال المصريين المتخصصين في النجارة والحفر، وكانت الأجرة عبارة عن ليرة واحدة لكل سرير، كما ازدهرت في السبعينيات بفعل قدوم العمال والأجانب أيضاً، ومع بداية الثمانينيات ازدهر العمل بعد اقفال مطار بيروت الدولي بفعل حرب الإلغاء في العاصمة، فأصبح السفر يتم من خلال مرفأ صيدا، فكان الناس يقصدون الأوتيل، وكانت أجرة السرير في ذلك الوقت 5 ألاف ليرة. ولكن بعد أن أصبح المصري بحاجة الى تأشيرة دخول الى لبنان لم نعد نرى عمالة مصرية كبيرة على غرار الماضي.

وأوضح "أنه كان ينام في الأوتيل عدد من الممثلين في الثمانينيات مثل ماجد أفيوني وفرقته اضافة الى عدد من لاعبي السيرك الأجانب، فأذكر في أحد المرات تعرضت مدينة صيدا للقصف عام 1983 من عملاء الاحتلال الإسرائيلي، فاضطرت فرقة ماجد أفيوني للمغادرة من الأوتيل الى بيروت.

تبدل الأحوال والاستمرار

وعن واقع الأوتيل اليوم يقول: يشهد الأوتيل من وقت لأخر وخصوصاً خلال فترة الأعياد سواء الميلاد أم عيدي الفطر والأضحى زيارة لبعض الأجانب من الدول الأوروبية. ولكنه بشكل عامل فقد عزه خلال السنوات الماضية، وذلك بفعل تدهور الأوضاع الاقتصادية في لبنان، وهو الأوتيل الوحيد في مدينة صيدا الذي استمر بالعمل لفترة طويلة معتمداً على الطبقات الشعبية، ولكن منذ 7 سنوات تم فتح فندقين في المدينة تزيد فيهما أجرة الغرفة عن 40 دولار وتصل الى 100 دولار للغرفة، فيما أجرة السرير في "أوتيل الشرق" 15 ألفاً في الغرفة المشتركة، فضلاً عن امكانية استئجار غرفة بسريرين بقيمة 30 ألفاً أو بثلاثة أسرة للعائلات، وجميعها تضم حماماً داخلياً، لكن صغر حجم الأوتيل لا يمكننا من فتح مطعم فيه.

وعن الاستفادة من استقبال النازحين السوريين قال: مع بداية الأزمة السورية قمنا باستقبال بعض العائلات، ولكن الملاحظ أن النازحين لا يستطيعون دفع الأجرة وإن كانت بسيطة مقارنة بغيرها، اضافة الى أن العائلات النازحة تعيش أكثر من أسرة في مكان واحد، وبما أن منزلي أعلى الفندق، فإن صريخ الأطفال والضوضاء لا يمكن تحمله، لذلك لم نفتح باب استقبال العائلات النازحة. كما أن غالبية السوريين يقطنون عند أقاربهم أو في مكان عملهم داخل البساتين أو ورش البناء.

وأكد السوسي أن أكبر تأثير على الأوتيل هو انقطاع التيار الكهربائي عن صيدا القديمة، وهو الأمر الذي يشكل أزمة كبيرة، حيث لا يمكن للمرء أن يرى طريقه بفعل الظلام الدامس، وبعد الساعة الثامنة مساءً يقفل السوق التجاري في المدينة، فلا ترى أحداً في الطرقات، وهذه الأسباب تؤدي الى قلة عدد الزبائن، لذلك نرى أنه خلال الشهر قد لا يمر على الأوتيل أكثر من 3 نزلاء. كما لا نرى اقبالاً من خارج المدينة، لذلك اضطررنا الى فتح مصلحة مرافقة وهي عبارة عن بيع الورق والمحارم والبلاستيك فيما أبنائي سافروا الى الخارج وهم يمدوننا بالدعم.

وقال: بما أن النزل الذي نملكه ترخيصه شعبي، فإننا لا نملك الكثير من التحسينات أو الدعاية له، وقد قمنا بإجراء بعض التحسينات على قدر المستطاع، ولكن بما أن مدينة صيدا لا تشهد زواراً من قبل الأجانب الذين يبحثون عن الأماكن الأفضل لميزانيتهم، فإن تردي الوضع الاقتصادي أثر على عملنا كثيراً.

مزج بين المهن والهوايات

ويشير السوسي الى أن بداية عمله كانت مع والده في العام 1974 حين كان يبلغ من العمر 20 عاماً واليوم بلغ الـ 60 عاماً، وجاء ذلك بعد وفاة "الشغيل" حيث تسلم مصلحة والده للحفاظ عليها، ومن ثم انتقل للعيش في طابق يعلو الأوتيل بعد اخراج المستأجر منه في العام 1977، ثم تزوج في العام 1979 وكون عائلته.

وقال: كل إنسان يأمل أن يطور عمله، وأملي أن يكمل أولادي هذا الدرب والحفاظ على هذا الأوتيل الذي توارثناه عن الوالد، ولكن أبنائي حالياً في السفر، واحد في افريقيا والثاني في المملكة العربية السعودية. وإضافة الى ادارة هذا الأوتيل وبيع الورق والبلاستيك، لدي هواية هي المشاركة في مسيرات النوبة التي تجعلني أجد الراحة النفسية وقد تعلمت "الدق" ولعب السيف والترس في فرقة النوبة التي يرأسها الحاج أحمد الزعتري، كما نجتمع في الزاوية الرفاعية ونشارك في مسيرات المولد النبوي والأعياد الدينية.

وختم السوسي بمطالبة الدولة مساعدة أصحاب الفنادق في المناطق، على غرار ما كان يحدث في الماضي حيث كانت الدولة تعطي للفنادق خارج العاصمة مبلغاً يخصم من ايرادات كازينو لبنان. لكن في نهاية الثمانينيات توقفت هذه المساعدات، مما زاد ديون أصحاب الفنادق، وخسر مبلغاً كان يساعده على صيانة الأوتيل والحفاظ على هذا المعلم التراثي.

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا