×

أبو أحمد مبيّض (الطناجر)

التصنيف: إقتصاد

2015-06-03  07:40 ص  1461

 

ثريا حسن زعيتر

«أبو أحمد» خلال تبييض الأواني
ما زالت «مهنة مبيّض» النحاس في لبنان تتحدّى الزمن وتتّجه نحو لفظ الأنفاس الأخيرة، وهي من المهن والحِرف التي انقرضت وتلاشت عبر الزمن، فكانت هذه الحرفـة تُدرُّ ربحاً كبيراً على مَنْ يعمل بها ويحمل إسم «مبيّض النحاس»...
ففي بلدات وقرى جنوبية كانت الأسر تقتني النحاس اقتنائها للذهب، حيث مهنة «مبيّض النحاس» من المهن المزدهرة على مدى السنوات الماضية الطويلة، ولها مكانة كبيرة في المجتمع، فقد كان يُخصّص له يوم محدّد يمر فيه على الحي أو القرية، ويتجمّع الأهالي وأوانيهم النحاسية، فيقوم «مبيّض النحاس» باستعمال أدواته، وغالباً ما كانت تشاركه زوجته في العمل...
وكانت مهنة «مبيّض النحاس» قد اشتهرت في القرى الجنوبية مطلع النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حيث تُعتبر بلدة جويا سيّدتها، بعدما اكتسبها أحد أبنائها من مُعلّم «مصري» كان يتجوّل بين أحياء البلدة والقرى المجاورة، لتبدأ بالانتشار بين شبابها الذين جابوا القرى الجنوبية محوّلين سواد الأواني إلى الأبيض، ولتشتهر بذلك بلدة جويا بكثرة العاملين في تبييض النحاس...
«لـواء صيدا والجنوب» يُسلّط الضوء على هذه المهنة، ويلتقي المبيّض «أبو أحمد»، الذي أصبح من القلائل يحترفون هذه المهنة، وآخر العاملين فيها في جنوب لبنان...

مهنة تتلاشى
{ يجلس «أبو أحمد» المبيّض على كورنيش صور البحري، يفترش عدّته، وبعض النحاسيات وينطلق في العمل، وكأنّه يريد أنْ يذكّر الناس بهذه الحرفة التي أصبحت تتلاشى وتتناسى، يحمل قماشة بيده، فيما رائحة دخان القصدير، النشادر والملح تنبعث من القِدر الذي يُبيّضه، ليؤكد أنّ «البياض واقعاً مستحيل أنْ نعيش بدونه، وأنّ السواد والصدأ ذهب بلا رجعة».
«أبو أحمد» لم يكل يوماً، ولم ييأس من ممارسة مهنته في تبييض الأواني النحاسية «العتيقة»، رغم كل ما اجتاح العصر من حداثة، إلا أنّه واظب على مهتنه، فهو يقاوم كل «التجاهل» الذي أصاب واحدة من أهم المهن الحرفية القديمة، فلا أحد يذكر المبيّض وصوته الشجي الذي يصدح به وهو يجوب الحارات والقرى والبلدات، وهو يردّد عبارته الشهيرة «مبيّض... مبيّض»، لا تزال تلك الكلمة تتردّد بين كبار السن من السيدات، يتذكّرن جيداً كيف كن ينتظرن قدوم «المبيّض» ليبيّض لهن الأواني النحاسية التي تآكلها الصدأ، فتلك الصورة قد دخلت في زمن النسيان، بعد أنْ استباحت «طناجر التيفال» وشلّتها المطابخ، واختفى الطهي بالطناجر النحاسية، وبالتالي خسر «المبيّض» مهنته، ومعها حياته الحرفية.
ضحكة «أبو أحمد» لا تفارقه ويقول وهو منهمك بالعمل: «لقد تعلّمت المهنة عن أبي، أما أولادي لا أحد منهم يريد أنْ يتعلّمها، فأصبحتُ وحيداً أصارع من أجل بقائها، فهذه الحرفة تدخل النفق الأخير، ويمكن بعد سنوات أن لا يعرف الناس ما معنى تبييض النحاس».
آخر العاملين
ادرة، وقمتُ بفرش عدّتي وبدأت بالعمل، حيث وضعتُ «دستاً نحاسياً وطناجر وأباريق ومعها عدّة «المبيّض»، وهدفي تحويل هذه الحرفة المنسية إلى مسرح تفاعلي، وربما «صندوق فرجة» علّه يستقطب جيل اليوم إليه، أقلّه من باب حماية الحرف القديمة المنسية».
ويختم «أبو أحمد»: «إنّ الدخان يتصاعد من حولي نتيجة المواد التي استخدمها (النشادر والملح والقصدير) لإزالة اللون الأسود عن (الطناجر)، أحمل ملقط الحديد بيدي وملقط طرف الطنجرة، وأضعها على النار، وقبل العمل أتفحّص جيداً مادة النشادر، لتنطلق مرحلة التبييض ثم أقوم بفركه بقطعة من (القطن الخشن)، لتبدأ في إزالة الأوساخ، ويُصار إلى مسحه بقطعة فماشية، ويُغسل بالماء ويوضع تحت أشعة الشمس ليجف، وبذلك تنتهي عملية تبييض النحاس».
تعتبر مهنة «المبيّض» مدرسة في الحياة، نتعرّف من خلالها على واقع الناس ويومياتهم، على حكاياتهم وقصصهم.

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا