×

الأسير الذي كان يصرخ في المسجد.. لم يعد نفسه في «العسكرية»

التصنيف: أمن

2015-09-16  07:56 ص  276

 

السفير لينا فخر الدين
إنّها العاشرة والنصف صباحاً. ملالة عسكريّة تقف في منتصف الطريق على مقربة من بوابة الدخول والتفتيش المؤديّة إلى المحكمة العسكريّة وبزّات عسكريّة بشتى الألوان. بين البربير والمتحف، ملأ ضباط الجيش وعسكريوه بأسلحتهم وملالاتهم المكان الذي تقاسموه مع وسائل النقل المباشر والصحافيين.
الإجراءات الأمنيّة على أشدّها. لا مكان للوقوف على جوانب الطريق من دون السؤال عن هوية الواقف. يرمي أحد الصحافيين السلام على زميلته وهو يقطع الطريق باتجاه بوابة المحكمة، ليعاجله الضابط بالطلب منه السير إلى الأمام بسرعة أكبر.
ومن الطريق إلى الباب الأوّل لـ «العسكرية»، حيث يكفي إبراز بطاقة صحافي أو محامٍ للانتقال إلى الباب الثاني، يستوجب على الداخل المرور بين الأسلاك الشائكة والملالة التي ركنت عند المدخل الرئيسي. وهنا، يسأل أحد العسكريين عن البطاقة ثانية والتي لا يلبث حاملها حتى يعيد إبرازها أمام الباب الذي يليه، حيث يتمّ تسجيل الأسماء وترك الهواتف الخلوية.
وعلى مقربة من الباب الرئيسي لـ «العسكريّة»، تفتش الجنديات في الجيش النساء الداخلات بدقّة خلف الستارة، ثم تعيد تفتيش حقائب اليد. فيما العسكريون يتولون تفتيش الرجال، قبل أن يمرّ الجميع تحت جهاز «سكانر». وعلى المنوال نفسه، يدقق أحد العسكريين بالأسماء من جديد، تماماً كالذي يقف عند الباب الأمامي.
إنها الساعة 11.05، فتح الباب الرئيسي لقاعة المحكمة، فدخل المحامون ليجلسوا على المقاعد الأماميّة التي كتب عليها عبارة «محامون». وبعد أقلّ من عشر دقائق، دخل الصحافيون إلى القاعة، وتوزعوا على 4 مقاعد على جهتي القاعة.
هنا يسأل الجميع عن رجل واحد: أين أحمد الأسير؟ العيون تبحث عن إمام «مسجد بلال بن رباح» بعد عامين من الفرار. ولا يمكن للباحث أن يقع نظره فوراً على «الشيخ»، الذي تمّت إحاطته من قبل الضباط والعساكر بشكل احترافي حتى لا يحتكّ، ولو بالنظر، مع المدعى عليهم الآخرين الذين جلسوا خلفه أو وراء القضبان.
8 جنود شكّلوا مربعاً حول الرجل الذي لبس عباءته الرمادية مع طاقية بيضاء ونظارتين، أتى بها أهله صباحاً بعد تفتيشهم تفتيشاً دقيقاً من قبل القوى الأمنية. لم يتغيّر «الشيخ» كثيراً، ولا يشبه نفسه في الصور التي انتشرت سابقاً. فما عدا خسارته للكثير من الوزن ولحيته التي نبتت مؤخراً وغزاها الشيب، كان الموقوف ليبدو وكأنّه خارج للتوّ من «مسجد بلال بن رباح» قبل حزيران 2013.
وبوجه متجهّم وعينين ترمقان من تحت النظارتين كلّ من ينظر إليه، بطريقة عصبيّة تارةً وبلا مبالاة تارة أخرى، كان الأسير متوتراً ولا يسيطر على حركات جسده، إذ أن حركة رقبته ورجليه لم تهدأ على مدى وقت طويل.
لم ينطق الموقوف بأي كلمة، إلا عندما سأله رئيس المحكمة العميد الركن الطيّار خليل إبراهيم عن اسمه، بعد أن قال وكلاء الدفاع عنه إن هناك خطأ باسمه المدرج: أحمد الأسير الحسيني بدلاً من أحمد الأسير.
وبصوت بالكاد يصدر عن رجل كان بالأمس القريب تصدح حنجرته في سائر أنحاء عبرا مهدداً، وقف الموقوف ليجيب بـ: «نعم» خافتة، ثم ما لبث أن عاد الى مكانه، منزعجاً من طلب العسكريين له بالوقوف!
على يسار القاعة، جلس رجل مسنّ بنظارتيه وعينيه الخضراوتين، وإلى جانبه إمرأة مسنّة ارتدت عباءة سوداء ووضعت غطاء فاتح اللون على رأسها. لم يجلس الإثنان مع المدعى عليهم، بل على مقعد على حدة. يتلفتان يمنةً ويسرة طوال الوقت، فيسألها الرجل: «هل رأيته؟»، فتجيب نافيةً بعينين زائغتين حزينتين، فيدلّها بإصبعيه إلى مكان قريب منهما.. إنّه «المربّع الأمني»، ولكن ليس نفسه الذي كان في عبرا يوماً، وإنما هو مربع طوق به العسكريون الأسير.
وما أن ينادي رئيس المحكمة العميد الركن الطيّار خليل إبراهيم على محمّد الأسير (ابن أحمد الأسير المتواري عن الأنظار) حتى يرفع العجوز يده، قائلاً: «حاضر». اعتقد الرجل أن «الجنرال» يناديه، ليهمس له أحد العسكريين قائلاً: «مش انتَ».
إنّه إذاً والد الأسير. لم يكن البعض ينتظر حادثة الحفيد ليتأكد أنّه «الحاج أبو أحمد»، إذ أنّ ملامح وجه الوالد وابنه متطابقة إلى حدّ بعيد.
وقبيل انتهاء الجلسة، طلب أحد المحامين من المحكمة أن يلتقي الموقوف أهله. تقاسيم وجه الوالدة انقبضت حينما سمعت ممثل النيابة العامة في «العسكرية» ومفوض الحكومة المعاون القاضي هاني الحجار يعترض على المواجهة، معتبراً إياها «خارجة عن الأصول». ولكن تدخّل العميد إبراهيم الذي جدّد قبوله الأمر مؤكداً أنّ المواجهات داخل المحكمة هي من اختصاصه ومطالباً بأن يحصل اللقاء في غرفة جانبيّة لائقة في قاعة المحكمة، أعاد للعجوز لونها.
وما إن انتهت الجلسة حتى سارع العجوزان إلى لقاء ابنهما. ثم خرجا بعد حوالي نصف ساعة إلى الخارج من دون رغبتهما بالتصريح. جلّ ما قالته الوالدة أن ابنها «منيح».
وبعد انتهاء اللقاء، أعيد نقل الأسير من جديد إلى الريحانية، في ظلّ إجراءات أمنية مشددة، من دون أن يلتقي وكلاء الدفاع عنه. فيما سيتوجّه اليوم، محاميه عبد البديع عاكوم إلى الريحانية للقائه هناك.
وفي الوقت الذي كان أهل الأسير يلتقونه، كان بعض الأهالي يعتصمون في الخارج، يحاولون التقاط أي معلومة آتية من خلف الباب الكبير. هؤلاء لا يستطيعون لقاء أبنائهم، وإنما يريدون حقّهم بعد استشهادهم على يد الأسير ومجموعته.
وقف أهالي العسكريين الشهداء، صرخ واحد منهم: «أعطونا إياه إن لم تكونوا قادرين على محاكمته»، فيما بكت أخرى مرددةً: «لماذا لا يتمّ إعدام من قتل أولادنا؟».
كذلك، أوضح الناطق الإعلامي باسم «محكمة الشعب» المحامي قاسم حدرج «ان محكمة الشعب بصدد القيام بإجراءات فاعلة لإحالة ملف الاسير الى المجلس العدلي»، موضحاً أنّ «الجرائم التي ارتكبها الأسير، وحسب الشروط القانونية، تعتبر جرائم وطنية بامتياز».
فيما شدد وكيل اهالي شهداء عبرا المحامي زياد بيطار على انه «يجب ان يحاسب المجرم على الفعل الذي قام به، وخصوصاً قتل الجيش».
& & &
كان من المفترض، بالأمس، أن تنتهي الجلسة المخصّصة لموقوفي عبرا في «العسكريّة» بعد أن يترافع المحامون عن الدفعة الأخيرة من المدعى عليهم، أي المخلى سبيلهم.
ثم تتوجه هيئة «العسكريّة» الدائمة إلى غرفة المذاكرة المتاخمة لقاعة المحاكمات. يقفل العميد إبراهيم، ومعه أحد القضاة المدنيين وضباط الهيئة، الأبواب على أنفسهم ليراجعوا ملياً الملفات والإفادات والمرافعات، بالإضافة إلى القوانين المرعية الإجراء. وبعد ساعات قليلة، يكون بحوزة المحامين والصحافيين الأحكام الوجاهيّة والغيابيّة بحق 72 مدعى عليه.
ولكنّ هذا كلّه لم يحصل أمس، ولن يحصل قريباً. وإنّما سلكت القضيّة مساراً آخر بعد توقيف أحمد الأسير، بحيث لا يُتوقّع أن يُخرج «الجنرال» من كمّه «أرنب الأحكام» قبل سنة على أقلّ تقدير. والأدلّة على موضوع التأخير في المحاكمات لا تعدّ ولا تحصى.
بالأمس، قدّم محامي الأسير أنطوان نعمة باسم هيئة الدفاع المؤلفة من محاميين آخرين هما محمد صبلوح وعبد البديع عاكوم، طلباً بلجنة طبيّة (تكون مؤلفة من غير طبيب السجين) تكشف على الأسير، بغية التأكد أنّه لم يتعرّض للضرب وأنّه يتناول جرعات أدويته بانتظام باعتباره يعاني من السكري والضغط، ما قد يسبّب له تجلّطات في رجليه تستوجب منه ارتداء مشدّ على رجليه بشكل دائم. فيما علمت «السفير» أن أهله أرسلوا له عبر محاميه بعض الألبسة بالإضافة إلى مشدّ وخفّ صحيين، إلا أنّ إدارة السجون تمنع إدخالهما إلا بعد تقرير اللجنة الطبيّة.
وقد وضع العميد إبراهيم طلب اللجنة الطبيّة في عهدة النيابة العامّة، باعتبار أن الأسير ليس موقوفاً لصالح المحكمة فحسب، وإنما لصالح النيابة العامّة وهي التي يستوجب منها اتخاذ القرار. وعلم أن قرار النيابة العامة سيصدر الجمعة أو الإثنين المقبل.
كذلك، طلب وكلاء الدفاع عن الأسير الاستمهال للاطلاع على الملفّ، بعد أن ضمّت رئاسة المحكمة الإفادات الأوليّة للأسير لدى مخابرات الجيش إلى الملفّ، على أن يطلّع عليه محامو المدعى عليهم الآخرين.
وإذا كان هذا السبب هو الذي دفع إلى تطيير الجلسة وإرجائها إلى موعد ليس ببعيد في 20 تشرين الأوّل المقبل، فإن طلبات وكلاء الدفاع في الجلسات المقبلة ستكون أيضاً هي السبب بتأجيل يليه تأجيل، وهذا ما أثار امتعاضاً عند عدد من وكلاء الدفاع عن المدعى عليهم الآخرين.
السيناريو المحتمل هو أن يقوم وكلاء الدفاع عن الأسير، كما لمّحوا، بتقديم طلبات دفوع شكلية بالإضافة إلى المطالبة ببطلان الإفادات الأوليّة للموقوف في وزارة الدفاع على اعتبار أنّ قضية عبرا كانت قيد المحاكمة، وهذا ما سيدفع المحكمة إلى ردّ الطلب أو ضمّه إلى الأساس، مع ترجيح ردّه، ليتجه محامو الأسير نحو تمييز ردّ الطلب.
وهذا السيناريو يعني عقد جلسة لتقديم الطلبات، وثانية لردّها، وثالثة للتمييز بها. وإذا ما احتسبنا أنّ إيقاع تأجيل الجلسات العادي يكون عادةً حوالي الشهر، فهذا يعني أن البتّ بهذا الطلب وحده سيأخذ ثلاثة أشهر من دون أن ينطق الأسير بحرف واحد.
كذلك يتخوّف المعنيون من سبب إضافي للتأخير هو ضمّ الإفادات الأوليّة للأسير عند المديرية العامّة للأمن العام إلى الملف، ليطلب وكلاء الدفاع من جديد الاطلاع عليها واتخاذ موقف منها، وربّما طلب بطلانها وعدم الأخذ بها، مثل إفادات المخابرات.
وتشير المعلومات إلى أن الجزء الأهم من الإفادات التي نطق بها الأسير بشأن قضية عبرا كانت عند الأمن العام، فيما الملفّ ما زال عند قاضي التحقيق العسكري الأوّل رياض أبو غيدا الذي سيحوّله إلى رئاسة المحكمة فور إصدار قراره الظني بشأن تورّط الأسير في قضيّة بحنين.
وبعد أربعة أشهر، على أقلّ تقدير، يمكن للمحكمة أن تستجوب الأسير، إلا أنّ الأمر لن ينتهي سريعاً، إذ من المتوقّع أن تقوم رئاسة المحكمة بإعادة استجواب عدد من الموقوفين على ضوء إفاداته، كما سيقوم سائر المحامين بتوجيه الأسئلة إلى الأسير لتأكيد مدى ارتباط موكليهم بمعركة عبرا.
وبالإضافة إلى ذلك، سيكون المحامون بانتظار جلسات المرافعات التي قد تأخذ حوالي الثلاثة أشهر (يتحدّد جلسة كلّ شهر)، وهذا يعني أن الأحكام لن تصدر قبل عام. فيما يخشى البعض أن يقوم الفار فضل شاكر بتسليم نفسه عندما يكون الملفّ قد أضحى قريباً من إصدار الأحكام، ما يعني الدخول في متاهة التأجيل من جديد!
وعليه، يرى البعض أن لا حلّ إلا ببدء العميد إبراهيم التوقيع على طلبات إخلاء السبيل لعدد من الموقوفين، على اعتبار أن بعضهم ما زال موقوفاً رهن التحقيق لمدّة ثلاث سنوات سجنا وقد تكون هذه مدّة حكمه التي ستصدر لاحقاً. إلا أنّ «الجنرال» يرفض النقاش في هذا الموضوع، فيما يرجح بعض المحامين المتابعين للقضية ألا يحصل هذا الأمر إلا بعد عقد عدد من الجلسات.

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

تابعنا