×

مسرح الدمى وطموحات رياض سلامة

التصنيف: أقلام

2023-07-28  10:51 م  179

 

كل مقال يعبّر عن رأي كاتبه، ولا يمثّل بأي شكل من الأشكال سياسة الموقع.

 عارف العبد المدن

تشكل مناسبة انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، محطة لأغلب الأطراف السياسية في لعب الأدوار الأخيرة من المسرحية الدرامية الهزلية، لإلهاء الشعب اللبناني وحرف انتباهه عن الحقائق الدامغة، ومشكلته الفعلية الواقعية والعميقة، وهي أن أمواله ومدخراته نُهبت وتبددت، ودمر اقتصاده، وثروته التي تراكمت عبر أجيال من البحبوحة والعمل المضني، والتراكم في الازدهار منذ فجر الاستقلال الأول، وتحول أغلبه إلى مجموعة من المتسولين المشتتين المنتشرين على مساحة الجمهورية وخارجها.

 

أغلبية الأطراف تلعب لعبة الاختباء خلف الدمى المتحركة على المسرح، لأهداف مصلحية آنية، آملا بمكاسب صغيرة أو جرياً وراء هروب من مواجهة سخط المواطنين المغلوبين، العاجزين عن التأثير الفعلي.

منطق انتظام عمل المؤسسات والاحتكام إلى القوانين، يحتم عدم تعيين حاكم جديد للمصرف الآن، ليس من زاوية أنه يمثل تعدياً على صلاحيات الرئيس المسيحي الماروني، كما يفسرها جبران باسيل، المصاب بأمراض الاستهداف والاستعصاء الطائفي، بل انطلاقاً من أن رئيس الجمهورية الذي أناط به الدستور رئاسة الدولة، كل الدولة اللبنانية، له الحق في أن يشارك في اختيار حاكم المصرف المركزي، باعتباره أحد أبرز ركائز وأركان الدولة والنظام اللبناني، مع الانطلاقة المقبلة والمتوقعة، لخطة النهوض والإصلاح المنتظرة، بعد الانهيار الكبير والمستمر الذي نعيشه.

 

أغلب الأطراف السياسية تعاملت وتتعامل مع مسألة حاكم مصرف لبنان، من منطلق "إن زاحت عن ظهري بسيطة". ولعلنا عبر لعبة الحاكم المحشورة الآن نكسب نقطة أو نقاط على الآخرين، في مدار المنافسة المندلعة والنكايات المتبادلة، والتي لن تتوقف.

 

حزب الله الذي كان سارع أمينه العام السيد حسن نصرالله إلى إعلان معارضته إقدام الحكومة الحالية، حكومة تصريف الأعمال على تعيين حاكم جديد، أصاب إعلامياً، من ناحية التمسك ببعض أحكام الدستور. لكنه أصاب أكثر عن طريق إعادة بناء الثقة المنهارة والمتهالكة مع التيار الوطني الحر، الذي سرعان ما التقط رئيسه الفطن والمتربص، النائب باسيل، الإشارة الواضحة. وأرسل للحزب أوضح منها بعودته إلى التواصل والحوار مع الحليف والشريك السابق، بعد تمنع وتنمر ودلع.

 

الحزب أراد ترميم العلاقة مع التيار العوني، فأتت مسألة الاعتراض على تعيين حاكم جديد لتفتح الأقنية السياسية المقفلة. فالتقطها الطرفان بقوة، وانطلقا في تفعيلها.. لعل وعسى.

 

وبما أن الحزب سجل خطوة الاعتراض المباركة لحفظ حقوق الموارنة المهددة، ومطالب وهواجس التيار العوني، فقد أتت هذه الخطوة "شحمة على فطيرة"، كما يقال بالعامية، فإن باسيل أيضاً أراد استغلال هذه الفسحة الجديدة واستغلال الأمر، للمضي بفكرة تعيين حارس قضائي على مصرف لبنان، والإمساك به، مع اقتراح تسمية مدير عام القصر الجمهوري أنطوان شقير، المضمون في خانة باسيل عبر تجارب السنوات العونية الماضية الست.

 

وهكذا يكون باسيل لو نجح، قد ضمن إمكانية السيطرة على الحاكمية في البنك المركزي والمؤسسات التابعة لها، بعد ان اُسقطت محاولاته سابقاً لتنصيب وزير الاقتصاد السابق العوني منصور بطيش على رأس الحاكمية.

 

ولأسباب التهرب من مسؤولية ما هو قادم بعد الألعبان رياض سلامة، تقاطعت مصالح الثنائي المتناغم في هذه الأيام، الرئيسين نبيه برّي ونجيب ميقاتي، على تعيين حاكم جديد إذا أمكن. وذلك بهدف إزاحة المسؤولية عن كاهلهما، بعد شغور منصب رياض سلامة، الذي اتقن لعبة "تلبيس الطرابيش" و"تقليب الكشاتبين" بخفة معهودة.

 

الحاكم المُقبل على المغادرة لم يفوت فرصة الوداع التلفزيوني المدروس والمدبر، بكلام ممجوج ومسحوب الدسم، من دون أن يوجه سهامه، ويصفي حساباته باتقان مع أغلب من اعترض على سياساته.

 

وضع الحاكم المُدبِر، قسماً كبيراً من الحقائق الواضحة والمؤلمة في مكانها. قال إن سياسة المصرف، أي سياسته ساهمت في الاستقرار وأجلت انفجار الأزمة، التي كانت موجودة. ودافع الحاكم عن نفسه، مشيراً إلى أن الدولة هي المسؤولة بسياستها عن ما جرى وليس هو. وهذا فيه جزء من الواقعية والحقيقة.

 

ليس المصرف المركزي من يصنع السياسات، وهذا صحيح، بل الدولة بما تعنيه من مؤسسات تشريعية وتنفيذية، أي مجلس النواب والحكومة أو الحكومات المتعاقبة، هي التي تقرر، وهو الذي يفترض أن ينفذ، لأنه مصرف الدولة.

 

لكن "مادوف لبنان"، الحاكم الذي أسهب في شرح سياساته وبطولاته وبراعته، وما حقق وأنجز، لم يخبر المواطنين لماذا نفذ ما سمي بالهندسات المالية وبموافقة ومصلحة من، ومن أين جاء بالأموال لتنفيذ هذه الهندسات، وكم كلفت ولمصلحة من كانت؟

عارف العبد المدن

تناسى الحاكم أنه كان بإمكانه أن يقول لا، لأن القانون منحه هذه الحصانة. وهذا جوهر دوره. وهذه قوة وميزة منصبه، كما فعل غيره من حكام قبله.

 

دور الحاكم كان، أن يقرع جرس الإنذار بصوت عال، ويكون محمياً بالقانون وقوة الدولة ومؤسساتها. لكنه تناسى أنه مضى مسايراً مرغباً هذا وذاك، على أمل أن يصل إلى كرسي الرئاسة الأولى، التي باع من أجلها كما باع غيره من مسؤولين قبله، أماني وفرص وتطلعات الناس بحكم متزن ونظيف، ومضى خلف الخيالات والأغلفة البراقة والإعلانات المنمقة المضخمة والصور والألقاب المضحكة، التي ساهمت في نشر غبار الرياء والتغطية على نهب مدخرات المواطنين، وتدمير اقتصاد الجمهورية، وأموال الناس التي تركت على القارعة.

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

تابعنا