دور صيدا في معركة الاستقلال ١٩٤٣
التصنيف: الشباب
2016-11-20 08:20 م 941
د خالد الكردي
منذ انتشار خبر اعتقال قادة معركة الاستقلال في تشرين الثاني 1943، اضربت مدينة صيدا وخرجت التظاهرات الشعبية كما خرجت فتيات صيدا بمظاهرة وهن يهتفن «نريد عادل، نريد بشارة، نريد الصلح»، فلما تخطين المعسكر الفرنسي وأصبحن على مقربة من دار الحكومة، اطلق الرصاص عليهن وقد نقلت الجريحات الى معسكر الجيش البريطاني في عين الحلوة على مقربة من صيدا. وبعدها خرجت مدارس المقاصد بطلابها وطالباتها ثائرة، مطالبة بالاستقلال التام وبالإفراج عن أبطال هذا الاستقلال. واستشهد عدد من الطلاب والطالبات.
وفي هذا الإطار يذكر سماحة مفتي صيدا المرحوم الشيخ محمد سليم جلال الدين انه في الخامس عشر من تشرين الثاني 1943، انطلقت أكبر تظاهرة عرفتها صيدا من بوابة الشاكرية، تضم الألوف من الأهالي والطلاب والطالبات الذين قصدوا مركز القيادة البريطانية في منزل المرحوم مصطفى النقيب الكائن في محلة القملة.
ولما وصل المتظاهرون الى مقابل سرايا الحكومة ـ مركز المندوب الفرنسي ـ التقوا بفرق القناصة التي كانت متمركزة حول السرايا ببنادقها ورشاشاتها، وأمامها تقف ثلاث مصفحات حربية، وكان عدد من وجهاء المدينة يخرجون من دار الحكومة إثر مقابلتهم المندوب الفرنسي الذي ابلغهم ان الجيش الفرنسي سيقمع بالقوة كل تظاهرة تمر امام السرايا، ولكن الأهالي وقد استبدت بهم الحماسة الوطنية، لم يأبهوا لوعيد المندوب الفرنسي بل تابعوا السير متخطين الإنذار، ومطالبين بالإفراج عن زعمائهم المعتقلين، فبادرهم الضابط الفرنسي بإطلاق الرصاص من مسدسه، وكانت طلقته إشارة لجنوده بفتح النار على المتظاهرين العزل من السلاح، وانهمر الرصاص بغزارة على الأهلين، وسقط من جراء ذلك ثلاثة وأربعون متظاهراً ومتظاهرة بين قتيل وجريح، فتراجع المتظاهرون قليلا وحاول البعض التقدم من الجرحى والقتلى لنقلهم الى المستشفيات، ولكن الجيش الفرنسي تابع اطلاق الرصاص عليهم، وانقضى على الحادث ساعة ونصف الساعة، نزفت خلالها دماء الجرحى، فاستشهد كل من الشهداء سعيد البزري وثروت صباغ، وشفيقة ارقدان. أما الجرحى الذين كان الموت على قاب قوسين او أدنى منهم وأنقذتهم العناية الإلهية فهم بشير الشريف وفاروق اليمن وعفيف الجردلي، والطالبات حكمت الصباغ وأوفى زنتوت وآمنة دالي بلطة ووفيقة الهبش ونهلة سنجر. وفي اليوم التالي شيعت صيدا شهداءها باحتفال صامت مهيب.
وقد أوردت جريدة «استفهام» المعارضة للانتداب تقريراً من مراسلها في صيدا بتاريخ 17 تشرين الثاني 1943، ومما جاء فيه: «توفي ثلاثة من جرحى المعارك في صيدا بين اللبنانيين والإفرنسيين، وخرجت صيدا تشيع القافلة الجديدة من شهدائها، وحملت ثلاثة نعوش على اكفها، وسارت الألوف تتقدمها النساء مزغردات والشباب منشدين النشيد الوطني اللبناني وأناشيد البطولة والاستشهاد، فكانت حفلة عرس وطني لم تشهد قاعدة الجنوب مثيلا له على طول جهادها في سبيل الاستقلال والحرية».
كما نشرت الجريدة نفسها خبراً تحت عنوان: «القتلى والجرحى في عاصمة الجنوب». جاء فيه: «رداً منها على ما اعلنه الفرنسيون من اذاعة الشرق بأن الحالة في لبنان هادئة بصورة عامة، اذ جاء الخبر على الشكل التالي: «اعلن الفرنسيون من اذاعة الشرق الكاذبة بأن الحالة في لبنان هادئة بصورة عامة، عدا بعض حوادث وقعت في بيروت كانت طفيفة، وقمعت بصورة غير وحشية. ولذا ننشر هنا اسماء الشهداء في سبيل الاستقلال الذين وقعوا في صيدا فقط عاصمة الجنوب الباسلة، المنطقة التي يدّعي الفرنسيون انها هادئة وانهم قابضون على ناصية الأمن فيها بأياد لا يلوثها الدم. وعندما يطلع الرأي العام على لائحة هؤلاء الشهداء الذين وقعوا في المنطقة الهادئة يمكنه ان يدرك موقف بيروت العاصمة الكبرى الجبارة، والاعمال الوحشية التي ارتكبت في احيائها المزمجرة الغاضبة: ننشر ما اتصل بنا من اسماء بعض شهداء الاستقلال اللبناني الذين سقطوا في صيدا»، وقد نشرت الصحيفة اسماء الشهداء وهم: ثروت صباغ 10 سنوات (طالبة)، شفيقة أرقدان 8 سنوات (طالبة)، سعيد البزري 16 سنة (طالب).
وأما الجرحى فهم: وفيق ووفيقة النداف اخوان (6 و8 سنوات)، آمنة دالي بلطة (7 سنوات)، نهدية سنجر (10 سنوات)، حكمة مجذوب صباغ (8 سنوات)، أوفى زنتوت (12 سنة)، عفيف جردلي (12 سنة)، عبد اللطيف بيضون (15 سنة)، الشيخ زين دندشلي (42 سنة)، عمر كرجية (12 سنة)، حسن رويساتي (15 سنة)، سعد الدين النداف (8 سنوات)، احمد صالح (50 سنة)، غازي يمن (10 سنوات)، كريمة خليل خولي (12 سنة)، درويش نقوزي (15 سنة)، احمد شرقاوي (13 سنة)، فاطمة فواز (35 سنة)، خديجة حسين خليل (12 سنة)، الاستاذ بشير شريف (32 سنة)، زينب محمد (12 سنة)، ملكة الهبش (9 سنوات)، محمد كالو (13 سنة)، نعمة ابو نصار (14 سنة)، حسن مكاوي (11 سنة)، الشيخ محمد سنجر (60 سنة)، ابو علي حنقير (28 سنة)».
كما أوردت صحيفة «الديار» تحت عنوان سجل الشرف شهداء لبنان ومنكوبوه اسماء الشهداء والجرحى الذين سقطوا في بشامون وبيروت وطرابلس وصيدا.
صيدا ترفض الرضوخ لسلطة حكومة إميل اده
ومن ناحية اخرى فقد أوردت صحيفة «استفهام» خبراً مفاده «ان صيدا والجنوب قد استقلا تمام الاستقلال في ادارة المنطقة بإشراف لجنة من الوطنيين تتلقى تعليماتها من رئيس الحكومة الشرعية الأستاذ حبيب أبي شهلا، وقد سعى الخائن (كويسلنغ) لكي يقيم سلطة له في الجنوب. ولكن سعادة محافظ الجنوب السيد أديب النحاس رفض بإباء وشمم، التعاون مع هذا الخائن، وأعلن انه لا يعترف بمرجع غير الحكومة الشرعية، فما كان من «الخائن» إلا ان اصدر مرسوماً بعزله وتعيين صنيعة الذل والخنوع فريد ح. محافظا على الجنوب. وقصد سعادة محافظ الجنوب «الإدي» تحف بسيارته مفرزة من عساكر «كويسلنغ» ليحتل سرايا صيدا، ولكنه ارتد على اعقابه خاسرا خائبا لم يجرؤ ولم يتجاوز جسر الأولي، وعاد يخبر سيده عن ثورة الجنوب واخبارها...
وأمام صلابة الموقف اللبناني الداخلي وعدم واقعية التصلب الفرنسي، وفي مساء 22 تشرين الثاني 1943، أي قبل يوم من نهاية الإنذار البريطاني الموجه الى لجنة التحرر الفرنسية في الجزائر بضرورة الإفراج عن معتقلي راشيا، ـ حيث كانت لندن تعد خطة جاهزة للتنفيذ في حال لم يفرج عن السياسيين اللبنانيين، تقضي بإعلان الأحكام العرفية، والاعتراف بالوزراء المعتقلين كحكومة لبنان الشرعية وان ما يبرر ذلك هو التخوف من ان تتأزم الأمور في لبنان بحيث لا يمكن السيطرة عليها ـ تم الإفراج عن رئيس الجمهورية بشارة الخوري ورئيس الحكومة رياض الصلح والوزراء المعتقلين في قلعة راشيا.
صيدا تحتفل بالاستقلال
وكغيرها من المدن والمناطق اللبنانية، ما إن وصلت أخبار الإفراج عن قادة الوطن ورجالات الاستقلال إلى صيدا، حتى خرج الصيداويون إلى الساحات والشوارع يهتفون ويُهللون لهذا الحدث الوطني الكبير. في حين توجه الكثير منهم إلى منزل ابن صيدا رياض الصلح للغاية نفسها. وقد أوردت صحيفة «الديار» خبراً عن قدوم وفد صيداوي كبير إلى منزل رياض بك الصلح لتهنئة الحكومة الشرعية بعودتها إلى ممارسة الحكم، وذكرت الصحيفة أيضا ما يلي: «ومن ثم توجه الوفد بتظاهرة كبيرة إلى السرايا لتهنئة فخامة الرئيس الأول ودولة رئيس الوزارة والوزراء، حيث ألقى الاستاذ كمال البيضاوي كلمة نوّه فيها بتعلق البلاد بأجمعها بزعمائها، وتعالت الهتافات بحياة الرئيسين والوزراء الذين أبدوا إعجابهم وتقديرهم للموقف الذي وقفته صيدا في الحوادث الأخيرة، وشكروا الوفد على عاطفته النبيلة وتحمله مشاق السفر لإبدائها. وغادر الوفد السرايا كما هبطها في تظاهرة كبيرة بين الهتافات والتصفيق».
معروف سعد يحتفل بالاستقلال على طريقته
وفي هذه الأثناء، ورغم كون رجل الاستقلال المهمّش معروف سعد معتقلا في سجن المية ومية، لم يحل اعتقاله دون احتفاله بهذا الحدث العظيم، ففي مساء 22 تشرين الثاني 1943، أشعل معروف سعد وإخوانه بالقرب من الأسلاك الشائكة برميلا للمازوت، فبدت هضبة المية ومية شعلة من نار فوق صيدا، وشوهدت ألسنتها المرتفعة إلى مسافات بعيدة، فأسرع قائد المعتقل مع رجال الشرطة والدرك ببنادقهم ورشاشاتهم يتساءلون في ذعر عن سبب الحرائق، فأجاب معروف: فرحاً بعودة الصداقة بين لبنان وفرنسا. فأمر القائد نيكولي بجمع (الإزّازات) وبفرض الطعام المطبوخ على الجميع، وبمنع الإنارة عند المغيب، لمنع تسرب أي بصيص من نور إلى الخارج، حتى إذا شاهد مرة بصيصاً من أحد المنامات أطلق النار باتجاه النافذة إرهاباً.
صيدا تستقبل عادل عسيران ورياض الصلح
وفي إطار احتفالات الاستقلال، أوردت جريدة «الديار» خبراً تحت عنوان «صيدا وطرابلس تستقبلان عسيران وكرامي».. جاء فيه: «كان يوم الأربعاء في صيدا وطرابلس يوما مشهودا في الجنوب والشمال، إذ احتشد الجنوب من الصباح الباكر لاستقبال معالي وزير التموين عادل بك عسيران، وزحفت الجماهير عند ضاحية المدينة واستقبلته استقبال الفاتحين، وقد ألقيت الكلمات الحماسية. وعرج عسيران على قبور شهداء صيدا الذين قتلوا دفاعا عن الاستقلال معاهدا إياهم على المضي في تحقيق المثل الأعلى الذي استشهدوا في سبيله».
وفي معرض تغطيتها لاستقبال رياض الصلح في صيدا، أوردت صحيفة «بيروت» بتاريخ 30 تشرين الثاني 1943 خبرا تحت عنوان: «يوم مشهود في تاريخ مدينة صيدا» جاء فيه: «كان يوم الأحد يوماً مشهوداً في عاصمة الجنوب، فقد تقاطرت وفود البلاد اليها لتحية دولة الرئيس الزعيم رياض بك الصلح بمناسبة زيارته لزعيم الشباب عادل بك عسيران، وكان يرافق الرئيس الزعيم رجال حكومته وفريق من النواب وسفيرا بريطانيا والولايات المتحدة والقائمان بأعمال المفوضية المصرية والعراقية وقنصل بلجيكا، وكانت الجماهير تملأ الشوارع الممتدة من جسر الأولي حتى قصر الوزير عسيران، واستقبل الموكب بالهتافات والأهازيج وإطلاق الأعيرة النارية ابتهاجاً بفوز قضية الحق والدستور والكرامة، وبعد الانتهاء من حفل الغداء أُلقيت كلمات لرئيس الوزراء الذي قال: سأدافع عن هذا الاستقلال خارجاً وداخلاً، وسأقطع دابر الدس أيّاً كان نوعه».
وكانت للجنرال سبيرس كلمة بالمناسبة جاء فيها: «ان الاستقلال لا يقاس بمساحة الوطن ولا بعدد السكان، إنما يقاس بالإيمان الذي يعمر قلوب المواطنين، وقد أثبت اللبنانيون أنهم أهل لهذا الاستقلال. ولذا فإن لبنان يعتبر وطنا كبيراً وجديراً بالاستقلال التام الناجز». وبعد انتهاء الحفل، توجه الموكب إلى قبور الشهداء حيث وضع عليها أكاليل الزهر، وعاد إلى بيروت مشيعاً بالحفاوة والإكرام.
وهكذا، تكون مدينة صيدا مدينة فاعلة ليس في صناعة الاستقلال اللبناني عام 1943 فحسب، بل في كل محطات النضال القومية والوطنية السابقة واللاحقة، إذ لم يتوقف نشاط أبنائها على الهتافات والمظاهرات فحسب، وإنما قد أدوا ضريبة الدم، من خلال مواجهاتهم المستمرة وتصديهم لقوات الاستعمار الاجنبي
أخبار ذات صلة
كشافة الفاروق تحيي الإستقلال في مراكز الإيواء*
2024-11-23 09:22 م 135
لقاء في مركز معروف سعد الثقافي لمتابعة أزمة النفايات في صيدا، بدعوة من النائب أسامة سعد
2024-01-12 01:46 م 276
فلسطين والتضامن معها .. نشاط يومي في مدارس صيدا
2023-12-09 09:50 م 219
إحذروا من “الكينغ” لحماية أبنائكم وبناتكم
2023-06-12 09:54 ص 446
التطوع لإنقاذ الأرواح والبحر والشاطئ صيدا
2023-06-09 03:42 م 400
إعلانات
إعلانات متنوعة
صيدا نت على الفايسبوك
صيدا نت على التويتر
الوكالة الوطنية للاعلام
انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:
زيارة الموقع الإلكترونيتابعنا
أطباء يحذرون: لا تجلس على المرحاض لأكثر من 10 دقائق لهذا السبب
2024-11-14 09:31 م
بدر زيدان: لخدمة صيدا وأبنائها وهو يسير على درب والده السيد محمد زيدان
2024-11-14 03:35 م
خليل المتبولي - المحبة بين الناس: جوهر العلاقات الإنسانية في زمن الحرب
2024-11-06 12:23 م
حكم وعبر في الحياة
2024-11-04 10:37 م
بالصور غارة على بلدة الغازية
2024-11-03 01:32 م
من هم أبرز المرشحين لخلافة السنوار
2024-10-19 06:19 ص
كارثة صحية تهدد مستشفيات صيدا بعد استنفاذ مخزونها من المستلزمات الطبية
2024-10-18 09:40 ص
حمام الشيخ في صيدا القديمة يفتح أبوابه لتمكين النازحين من الاستحمام
2024-10-17 03:02 م
مبروك المصالحة مبروك لصيدا وللنائب الدكتور أسامة سعد والمحافظ منصور ضو
2024-10-10 10:39 ص
بالصور تعليق عدد من اللصوص على الأعمدة في وسط الشوارع بالضاحية الجنوبية