×

الإسكافي يداوي وجع الناس ولا يجد من يداوي أسقامه

التصنيف: سياسة

2011-06-01  09:36 ص  948

 

 

 

 

سامر زعيتر: يتوارثون مهناً عن الأجداد، وربما ينقلونها الى الأحفاد، فتدور عجلة الزمان وتتبدل، ليتحوّل نعيم المهنة الى شقاء، لحرف كان أربابها يتسابقون لدى شيخ الكار لإمتهانها، أما اليوم فهانت وهانوا معها··

ويكبر السؤال لماذا الإستمرار بمهنة الإسكافي، إن لم تكن تعطِ همّها، ففي الوقت الذي يعيش فيه كبار السن في أسر تلك المهنة، بعدما تحوّلت الى عادة يصعب معها التغيير، فإن الصغار لم يجدوا سبيلاً سوى تكرار تجربة الأجداد، في ظل تردي الأوضاع الإقتصادية والاجتماعية، علّها تقيهم عثرات الزمان وغدره··

أما تزايد عدد محال <الكندرجية> في صيدا، وإن قلّ عدد العاملين فيها، فيعود الى أسباب عديدة، يُحاول <لواء صيدا والجنوب> تسليط الضوء عليها، حيث عاد بهذه الإنطباعات··

تدخل الى سوق البازركان في صيدا القديمة، والذي يعني بالتركية كلمة سوق، ليغلب عليه احتكار مهنة الإسكافي، بعدما كان في السابق يعج بالمحال المتنوعة، لكن كثرة محال <الكندرجية>، رغم قلة عدد العاملين في هذا الكار، لأن رحيل الكبار ورّث المهنة للأبناء والأحفاد، مما زاد عدد المحال، رغم احجام أبناء الجيل عن ممارستها··

أما تنوع التسميات لمزاولي المهنة، فكان لتنوع الأحذية وتداخل اللغات، فمن <الإسكافي> الى <الكندرجي> و<السرماطي> و<الجزماتجي>، وغيرها من المصطلحات التي تداخل فيها التراث العربي بالتركي والفارسي··

جيل التليفونات! { وتحتل عائلة البزري المرتبة الأولى في عدد مزاولي هذه المهنة اليوم، ويشير يوسف البزري الى <أن وفاة جدنا الحاج أحمد البزري <أبو مصطفى> وولده مصطفى، منذ سنوات، ورث المهنة لأولاده وأعمامهم، فكان عبد ونزيه وأحمد مع سعد وعدنان من آل البزري يتمرسون بها، الى جانب أفراد عائلات الظريف وكرجية وأبو طبيخ وكيوان وداود، فيما يبلغ عدد محال آل البزري 10 محال، بالإضافة الى العاملين لدى أقاربهم، أما السوق فيحتوي على 18 محلاً، في الوقت الذي كان فيه عدد مزاولي المهنة في السابق أكثر من 50 عاملاً في هذا المجال، ولكن قلّ العدد، لأن هذا الجيل هو جيل التليفونات و<الجل> يستحي من هذه المصلحة، ولكن الحمد لله هي مصلحة تستر من الجوع، ولدينا زبائن من كل الفئات>·

ويوضح يوسف <أن البعض طعّمها بتجارة مستوردة للأحذية، من الصين والإنتاج الوطني، فتكثر زيارة تلك الأحذية الى <الكندرجي> أو <الإسكافي>، بعدما أصبحت مهنة مزدوجة في البيع والتصليح، ولكن نحن نتكل على التصليح، فيما مبيعنا من الأحذية لا نضع عليه ربحاً كبيراً، كما أن أسعار التصليح تتراوح بين الألفين والعشرة آلاف ليرة لبنانية، حسب نوعية العمل المطلوب، وطالما أنت معلم في عملك يقصدك الناس>·

{ بدوره أحمد البزري، أوضح الى أنه <ورثت المهنة عن والدي الذي ورثها عن جدي أحمد، والذي سُميت على أسمه، وأعمل مع أخي وابن عمي في هذا المحل، وطبعاً واكبنا التطور، فأدخلنا معدات جديدة تُسهل علينا عملنا، لأن المصحلة بحاجة الى تطوير، وهي مصلحة لا تبطل، لأنه لا يُعقل أن يمشي الإنسان حافي، إلا <الإسكافي> كما يقول المثل، وطبعاً بسبب ارتفاع الأسعار لا بد أن يقوم الناس بإصلاح الأحذية بدلاً من استبدالها>·

يُداوي وجع الناس { وفي المقابل، كانت مهى الخطيب تُصلح حذائها، وتشير الى <أنني اعتدت أن أتي الى صيدا من بيروت، لأنني زبونة عبد البزري <أبو حسين>، الذي يتقن عمله>··

فيما تشاهد <أبو حسين> يجلس على كرسيه الخشبي، واضعاً المسامير في فاه، يتناول واحدة تلو الأخرى، وينهال عليها بالطرق كي تُثبت في مكانها، وتثبت معها النعلة جيداً، في حركة تمرس عليها خلال عقود من الزمن، وبات خبيراً فيها·· ومن ثم يحمل السكين ليصقل الحذاء بما يتلاءم مع شكله الأصلي، فيكبر الكعب الجديد ومعه تزداد الغلة··

ويوضح عبد البزري <انني أعمل في هذه المهنة منذ 45 عاماً، وما أقوم به هو استخدام كل ما هو بدائي، فقد توارثنا المهنة منذ زمن الأجداد، ولكننا في نفس الوقت نستخدم آلات أخرى لخياطة الأحذية، تمزج بين القدم والحداثة، فنستبدل بذلك المخيط العادي توفيراً للوقت ومواكبة لروح العصر·· وزبائننا من عامة الناس، الذين إن تمزق النعل استبدلوه بأخر، كما يزورنا الأغنياء أيضاً، ولكن علية القوم لم يعتادوا زيارة محالنا، لا لأن أحذيتهم لا يُصيبها ما أصاب أحذية بقية الناس، بل لأن استبدالها أسهل بدفع ثمن أحذية جديدة>·

وقال: <الإسكافي> يُداوي وجع الناس البسطاء، غير القادرين على شراء أحذية جديدة، هذا إن استطاع، ويصح فيه المقولة المشهورة <طبيب يداوي الناس وهو عليل>·· وعلتنا من جنس علة أقراننا، لأننا اخترنا ما هو شعبي، وورثنا المهنة من الأجداد، في ظل عالم من المتغيرات المتسارعة، وزملاؤنا من مزاولي هذه المهنة، قلّ عددهم في أيامنا هذه·

ضيق فرص العمل { أما حامد داود، فيعبّر عن مشاكل المهنة بالقول: نريد تطوير المصلحة، ولكن لا يوجد دعم، وهناك نقابة، ولكن لا دور لها، ولدينا مطلب واحد من الدولة، أن تهتم بهذه المهنة، لأن عمل عام كامل يأكله المرض بعدما يهلك صاحبه، فيما الحفاظ على التراث قد يستمر مطعّماً ببعض التقدم التكنولوجي، لأن ضيق فرص العمل لا تترك لنا سوى مهنتنا التي تسترنا، ولكنها إن حفظت كرامتنا، فلا تُمكننا من العيش الكريم، وخصوصاً ونحن نرى ارتفاع الأسعار يأكل كل ما نقوم به·

 

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

تابعنا