×

اللوحــة الزرقـاء لـم تتـرك أسـامة سـعد وحيـداً

التصنيف: سياسة

2009-09-08  05:17 ص  1478

 

 

كلير شكر
فقد أسامة سعد لقب «سعادة النائب» لكنه لم يفقد موقعه بين الصيداويين الذين ولد بينهم. هو أصلاً لم يستخدم «اللوحة الزرقاء» التي نالها لنحو سبع سنوات بعدما خلف أخاه مصطفى سعد «تزكية» عام 2002، ولذا لم يشعر بغيابها. وحدها المشاركة في جلسات البرلمان هي التي ألغيت عن جدول أعماله السياسي. أما بقية يومياته فهي نسخة مطابقة لأصل كان قائماً قبل السابع من حزيران الماضي. مراجعات لمواطنين، مؤيدين ومناهضين، ومنهم من اقترع معه، ومنهم من صوت لخصومه خلال الانتخابات النيابية. وفي الحالتين لا يملك «حق محاسبة الناس، وإنما يعذر لهم متطلباتهم واحتياجاتهم التي قد تكون دفعتهم باتجاه مناهض لقناعاتهم». الجولات في الأحياء والمناطق الصيداوية لم تبدّل مسارها. كما قناعاته وثوابته الوطنية التي لم تتمكن عاصفة الانتخابات من زعزعتها، وإن كان موقعه النيابي هو الثمن الذي دفعه.
انتهت «سكرة» الانتخابات وحان وقت «فكرتها». أغلقت صناديق الاقتراع وفرزت الأوراق: نحو اثني عشر ألف ورقة حملت اسم أسامة سعد لوحده. إنجاز انتخابي يستحق الوقوف عنده. بالمقابل، هناك أكثر من عشرة آلاف صوت شكلوا الفارق بين الفائزين فؤاد السنيورة وبهية الحريري، وأول الخاسرين. نتيجة مدوية يفترض دراسة أسبابها.
أصداء بعض الندم على إسقاط أسامة معروف سعد يتردد في المدينة منذ الثامن من حزيران، «سمعت كلاماً عن ندم بعض الصيداويين لأنهم اقترعوا ضدي وساهموا في إسقاطي. وأعتقد أن بعض الأشخاص الذين حملتهم الموجة إلى الموقع الآخر عن وعي أو لا وعي، يعيدون اليوم النظر في ما فعلوه في السابع من حزيران». ومع أن النتائج أعلنت و«من ضرب ضرب ومن هرب هرب»، فإن إعادة النظر هذه لا تزال تنفع برأي سعد «لأن الانتخابات هي محطة من سلسلة محطات مقبلة على صيدا، ولكن الأهم من ذلك هو أن المدينة لم تفقد هويتها، وهذا ما سيظهر مع الوقت».
ينكب «التنظيم الشعبي الناصري» على تقويم نتائج الانتخابات النيابية والمرحلتين التي سبقتها والتي ستليها، علماً بأن «الخلاصة المنتظرة لا تتصل بالاستحقاق النيابي فقط لعاصمة الجنوب، وإنما تشمل الحالة المذهبية التي عممها الاصطفاف السياسي على طول البلاد وعرضها، ولا بدّ من معالجة هذه الحالة المرضية، إذ أن اللبنانيين بمعظمهم اقترعوا على وقع الخطاب المذهبي وهو أمر مستهجن ولا يجوز الانصياع لأحكامه، وقد حذرنا مراراً من خطورة قانون الانتخابات المبني على تقسيمات طائفية». ثمة أسئلة كثيرة مطروحة للنقاش: «أين أخفقنا؟ ما هي سلبيات أدائنا؟ أين نجح الخصوم؟ وما هي نقاط ضعفنا؟»
كثيرة هي العوامل التي ساهمت في تكريس الواقع الصيداوي الجديد. رئيس الحكومة يدخل الندوة البرلمانية من نافذة نيابة بيت سعد السياسي، منها ما هم من صنع اليد، بمعنى الإخفاق في ردّ الهجوم، ومنها ما هو أقوى من القدرة على الدفاع عن المواقع. بعض هذه العوامل «الدعاية التي سيقت ضدّ فريقنا، وبأننا نساهم بتشيّع المدينة، وفرض إرادة «حزب الله» على الصيداويين. هذا خطاب مذهبي يتعدى خطورة الخطابات التي استخدمت في دوائر أخرى مختلطة». إذ أن غلبة اللون المذهبي الواحد لم يحم صيدا من التجييش الطائفي، لا بلّ غذتها التعبئة الطائفية وطغت على معالم معركتها الانتخابية. في المقابل نحن نعترف بأننا لا نجيد اتقان اللعبة المذهبية أو لعبة المال، ولا نملك أوراقها لمنافسة الخصم».
في أسباب الخسارة
ورغم الفارق الشاسع الذي حلّ بين سعد وخصميه إلا أنه لا يحمّل الصيداويين مسؤولية الخسارة، «لم يخذلوني، ثمة واقع لا يمكن تجاهله وإن كان من المفترض التخلص منه، ليس في صيدا فقط وإنما في كلّ الوطن. لا أحمل مسؤولية خسارتي للناس، بل إلى كلّ القوى السياسية التي غلبّت الانتماء المذهبي والطائفي عند الجمهور على حساب بناء الدولة الحديثة المدنية، يكون فيها الاعتبار الأول والأخير للمواطن، أياً يكن انتماؤه الطائفي. ولذا نحن نطالب ببناء دولة المواطن وليس دولة المحاسيب والأزلام واللصوص.
وعلى عكس ما جرى التداول به فقد «بذل الجميع جهده للفوز حلفاء وأصدقاء، لدعم المعركة الانتخابية، «بمن فيهم رئيس بلدية صيدا عبد الرحمن البزري، والكلام عن جفاء بيننا وعتب، ليس صحيحاً».
وفي أسباب الخسارة أيضاً «عدم التنبه للخصوم في ما يتصل بإدارة المعركة الانتخابية، وبأنهم جديون في استقدام أعداد كبيرة من الناخبين من خارج البلاد، ويقال إن عددهم فاق الستة آلاف صيداوي، علماً بأنه خلال الانتخابات البلدية جرى استقدام نحو ثلاثة آلاف شخص من الخارج. أضف إلى ذلك، عدم تمكننا من التواصل مع مجموعات كبيرة من الصيداويين القاطنين في بيروت».
هل كرست الانتخابات النيابية فؤاد السنيورة زعيماً على صيدا؟
يجيب سعد بعد رسم ابتسامة هادئة على وجهه: «السنيورة مرتبط بمشروع خارجي ولا يمكن بالتالي أن يشكل حالة زعامتية لأنه لا يملك القرار. الانتخابات محطة مفصولة عن الزعامة وإن كانت في بعض الأحيان جزءاً منها، ولكنها لا تشكّل بحدّ ذاتها دليلاً على تبوؤ الزعامة. ثمة نواب كثر يصلون الندوة البرلمانية عبر المحادل الانتخابية ولكنهم جميعاً لا يعرفون الزعامة، والعكس صحيح. الزعامة هي مسار طويل مرتبط بنضال متواصل ومواقف سليمة وتصرف بحكمة ووعي ودراية في الأوقات الصعبة. ثمة عوامل معينة تصنع الزعامة، قد تكون النيابة إحداها ولكنها ليست كلها. الناس تختار زعيمها، هو لا يقرر الأمر. الزعامة هي في التواصل الجماهيري المستمر، الاستشعار بقضايا الناس، غالبية الناس، والتعاطي بشفافية وصدق، الاستعداد الدائم للتضحية من أجل القضايا الوطنية، والثبات على المواقف».
في بعض الأحيان سقوط نائب يعني إقفال بيته السياسي، أو البحث عن موقع آخر. في بيت سعد لا تعني الخسارة شيئاً ولا تغيّر في الواقع. «ما من مشكلة مطروحة حول مستقبل العائلة السياسي. عام 1972 سقط معروف سعد في الانتخابات النيابية، ويوم استشهاده عام 1975 كان زعيماً».
ولذا فإن خسارة المقعد النيابي لا يعني الخروج من الحياة السياسية، و«لا يؤثر على مسارها، لا سيما أننا نحمل برنامحاً متكاملاً سياسياً وتنموياً، تؤمن به شريحة واسعة من الرأي العام في صيدا وخارجها».
الخطة المستقبلية
يستعد الحزب لوضع خطة للمرحلة المستقبلية بناء على التجربة الأخيرة نيابياً وسياسياً، وقد اقتربت هذه الورشة من وضع خلاصاتها، المتصل بالإطار الحزبي الضيق، وبالإطار المناطقي العام. سيقدم جملة اقتراحات للنقاش لتزخيم الانطلاقة الجددية لـ«التنظيم الشعبي الناصري» و«التيار الوطني» (لقاء يضم أحزاباً وشخصيات وفاعليات صيداوية متجانسة سياسياً). وقد تكون الانتخابات البلدية أولى المحطات المقبلة على «التيار» الذي «سيكون حاضراً فيها، إلا أن الموقف منها لا يزال قيد الدرس».
لا يبدي سعد ندماً للخيار السياسي الذي سلكه طوال السنوات الأربع الماضية التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لا بل لا يزال متمسكاً به رغم النتائج التي أفضت إليها الانتخابات، ويجاهر بـ«الثبات على الموقف، وعدم الانجرار وراء الشحن المذهبي، رغم أن البعض اعتقد أنه لو سايرنا هذه الحالة المذهبية لكنا حققنا مكسباً انتخابياً. قد نكون أخفقنا في توضيح رؤيتنا أمام الرأي العام حول مفهومنا للعمل السياسي، وقد يكون أحد أسباب هذا الإخفاق هو عدم امتلاكنا لوسائل الاتصال الحديثة التي يملكها الخصوم، وإن كان لا بدّ من بديل لتفعيل التواصل مع الجمهور».
يعود الحديث عن أسباب الخسارة، بالذاكرة إلى أحداث السابع من أيار والتاسع منه، ومدى تأثيرها على المزاج الشعبي في صيدا، وهنا يقول سعد: «نحن رفضنا الردّ على كل التهم التي وجهت بحقنا لأسباب أخلاقية، وإن كان موقعنا في تلك الأحداث مخالفاً لما جرى الترويج له. يومها، نحن حمينا خصومنا، بدليل أن السيدة بهية الحريري شكرتنا في العاشر من أيار. لقد مورس بحقنا قدر كبير من التضليل، ونحن قصّرنا في الدفاع عن أنفسنا. ولكننا كنا نواجه رئيس حكومة ووزيرة تربية، أي سلطة بكاملها، تمتلك القدرات المالية والنفوذ السلطوي، ولم يكن بمقدورنا تعطيل كلّ الآليات، ولو حاولنا لكنا عرّضنا المدينة للوقوع في فخ الاشكالات الأمنية. كنا نراهم يوزعون المال، ولو تدخلنا، لكان أثار ذلك التوتر بين الصيداويين. كان من المفروض على وزارة الداخلية أن تتدخل لتطبيق القانون وقمع مخالفات تجاوز سقف الانفاق، لكنها لم تقم بواجبها».
ورغم ذلك يؤكد أن خط معروف سعد السياسي ليس بحاجة للتوضيح ولم يتم إسقاطه من أهله، هو «أصلاً واضح، ولكن ظروف الأمس كانت استثنائية، فصار الخطاب المذهبي هو القاعدة، ونحن الشواذ، ولكن نحن جاهزون للتحدي، يجب ان نسعى مع القوى العلمانية لإيجاد إطار جامع نفرضه على المعادلة السياسية».
في حسابات الربح والخسارة، يبدو أن سعد دفع ثمن «اعتداله» ونبذه للخطاب المذهبي، دفع ثمن مكاسب حققها حلفاؤه فقط، دفع ثمن حرصه على الاستقرار الأمني في المدينة ورفضه «نصائح أسديت إليه بتعكير أجواء صيدا لأن الفوضى قد تساعده في المعركة الانتخابية»، ولكنه اختار الطريق الأصعب، ومستعد لتحدياته المستقبلية.
كلير شكر

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

تابعنا