×

زيباري لـ«الشرق الأوسط»: سُنة العراق يشعرون بالتهميش وبعض الأجهزة الأمنية مخترقة

التصنيف: أقلام

2024-02-21  07:47 م  101

 

كل مقال يعبّر عن رأي كاتبه، ولا يمثّل بأي شكل من الأشكال سياسة الموقع.

كان هوشيار زيباري، وزير الخارجية العراقي السابق، شريكاً في محطات حساسة في شؤون الداخل والخارج معاً. سألته «الشرق الأوسط» عن القرار الأمني والفساد والعلاقات بين المكونات، علاوة على ما سمعه من زعماء عرب بعد قيام النظام الحالي في بلاده. وهنا نص الحلقة الثانية والأخيرة:

 

* هل كان جو بايدن داعماً لبقاء رئيس الوزراء نوري المالكي؟

 

- التقيت بايدن عشرات المرات. أعرفه من سنة 1992 حين كنا نحاول عمل «لوبي» في الكونغرس الأميركي. وكان متعاطفاً ومؤيداً للتغيير في العراق. زار الإقليم والعراق عشرات المرات. وفي الفترتين الأولى والثانية لرئاسة أوباما كان هو المسؤول عن ملف العراق في كل التفاصيل.

 

* كان مؤيداً للمالكي؟

 

  • نعم. دعني أوضح الفكرة. أحد الأخطاء التي نتحمل مسؤوليتها كقيادات عراقية، ارتكبناها بعد انتخابات 2010 عندما فازت قائمة الدكتور إياد علاوي بعدد واضح من الأصوات عن القوائم الشيعية، وقائمته كانت حقيقة بها كل الأطياف الشيعية والسنية ومن القوميات الأخرى والأديان. آنذاك، سبحان الله، كانت إيران وأميركا داعمتين للمالكي. ومنطقهم (الأميركيين) حتى أكون منصفاً، كان أن لدينا عملية انتقال وانسحاب قواتنا في 2011 واتفاقية أخرى، فدعونا لا نهز المركب لتستمر العملية، مع التضحية للأسف بنجاح برلماني وانتخابي باهر وواضح للدكتور إياد علاوي.آنذاك كل القيادات مشت في هذا الاتجاه لنكمل المسيرة، لكن مراجعة للنفس وللتاريخ، أعترف أن هذه المحطة كانت أكبر خطأ استراتيجي وقع.

* هل ظُلِم إياد علاوي؟

 

- نعم. ظُلِم.

 

* هناك من يقول إن استبعاد إياد علاوي في العراق واغتيال رفيق الحريري في بيروت ضربا القوى المعتدلة في البلدين...

 

- هناك أساس لهذا الربط، وليس بعيداً. تعلمت شيئاً في التعامل مع سياسة الشرق الأوسط، وهو أن الأمور متداخلة. لا يمكنك فصل الوضع في لبنان عن الوضع في المنطقة، في إيران في الخليج في سوريا في فلسطين في الأردن. المسائل بها ترابط. لكن هل كان ذلك مبرمجاً، لا يمكنني أن أؤكد.

 

* هل تعتقد أن الأردن معرض لتهديدات؟

 

- مُعرّض جداً جداً. مستقبل قوات التحالف الدولي أو الأميركية في العراق... يعني أكثر من طرف. في تقديري، انسحابهم من العراق، هو آخر قلعة لهم، لنفوذهم في الشرق الأوسط. الأمن الأردني أيضاً مهدد. أمن الخليج سيكون مهدداً. الرسائل التي نسمعها من إخواننا في بعض دول الخليج أنهم قلقون أكثر من هذه التقارير والمعلومات والأخبار. وأيضاً الأردن حالياً داخل في معركة مع المخدرات ومع القوى التي تستهدف أراضيه. للمرة الأولى يُضرب الأردن بمسيّرات عراقية. القاعدة الأميركية «تاور 22» هي داخل الأراضي الأردنية. والقوات موجودة بموافقه المملكة الأردنية الهاشمية. تسمع منهم أنهم يشعرون بأنهم مهددون حقيقة في هذا الموضوع.

الرئيسية

الشرق الأوسط​

العالم

الرأي

الاقتصاد

ثقافة وفنون

صحة وعلوم

تكنولوجيا

يوميات الشرق​

الرياضة

في العمق

فيديو

بودكاست

ألعاب

العالم العربي 

المشرق العربي

زيباري لـ«الشرق الأوسط»: سُنة العراق يشعرون بالتهميش وبعض الأجهزة الأمنية مخترقة

قال إن «الطريقة المخزية في إعدام صدام منحته مكانة لا يستحقها»

لندن: غسان شربل

آخر تحديث: 14:01-20 فبراير 2024 م ـ 09 شَعبان 1445 هـ

نُشر: 13:57-20 فبراير 2024 م ـ 09 شَعبان 1445 هـ

TT

 

كان هوشيار زيباري، وزير الخارجية العراقي السابق، شريكاً في محطات حساسة في شؤون الداخل والخارج معاً. سألته «الشرق الأوسط» عن القرار الأمني والفساد والعلاقات بين المكونات، علاوة على ما سمعه من زعماء عرب بعد قيام النظام الحالي في بلاده. وهنا نص الحلقة الثانية والأخيرة:

 

* هل كان جو بايدن داعماً لبقاء رئيس الوزراء نوري المالكي؟

 

- التقيت بايدن عشرات المرات. أعرفه من سنة 1992 حين كنا نحاول عمل «لوبي» في الكونغرس الأميركي. وكان متعاطفاً ومؤيداً للتغيير في العراق. زار الإقليم والعراق عشرات المرات. وفي الفترتين الأولى والثانية لرئاسة أوباما كان هو المسؤول عن ملف العراق في كل التفاصيل.

 

* كان مؤيداً للمالكي؟

 

- نعم. دعني أوضح الفكرة. أحد الأخطاء التي نتحمل مسؤوليتها كقيادات عراقية، ارتكبناها بعد انتخابات 2010 عندما فازت قائمة الدكتور إياد علاوي بعدد واضح من الأصوات عن القوائم الشيعية، وقائمته كانت حقيقة بها كل الأطياف الشيعية والسنية ومن القوميات الأخرى والأديان. آنذاك، سبحان الله، كانت إيران وأميركا داعمتين للمالكي. ومنطقهم (الأميركيين) حتى أكون منصفاً، كان أن لدينا عملية انتقال وانسحاب قواتنا في 2011 واتفاقية أخرى، فدعونا لا نهز المركب لتستمر العملية، مع التضحية للأسف بنجاح برلماني وانتخابي باهر وواضح للدكتور إياد علاوي.

 

 

 

آنذاك كل القيادات مشت في هذا الاتجاه لنكمل المسيرة، لكن مراجعة للنفس وللتاريخ، أعترف أن هذه المحطة كانت أكبر خطأ استراتيجي وقع.

 

* هل ظُلِم إياد علاوي؟

 

- نعم. ظُلِم.

 

* هناك من يقول إن استبعاد إياد علاوي في العراق واغتيال رفيق الحريري في بيروت ضربا القوى المعتدلة في البلدين...

 

- هناك أساس لهذا الربط، وليس بعيداً. تعلمت شيئاً في التعامل مع سياسة الشرق الأوسط، وهو أن الأمور متداخلة. لا يمكنك فصل الوضع في لبنان عن الوضع في المنطقة، في إيران في الخليج في سوريا في فلسطين في الأردن. المسائل بها ترابط. لكن هل كان ذلك مبرمجاً، لا يمكنني أن أؤكد.

 

* هل تعتقد أن الأردن معرض لتهديدات؟

 

- مُعرّض جداً جداً. مستقبل قوات التحالف الدولي أو الأميركية في العراق... يعني أكثر من طرف. في تقديري، انسحابهم من العراق، هو آخر قلعة لهم، لنفوذهم في الشرق الأوسط. الأمن الأردني أيضاً مهدد. أمن الخليج سيكون مهدداً. الرسائل التي نسمعها من إخواننا في بعض دول الخليج أنهم قلقون أكثر من هذه التقارير والمعلومات والأخبار. وأيضاً الأردن حالياً داخل في معركة مع المخدرات ومع القوى التي تستهدف أراضيه. للمرة الأولى يُضرب الأردن بمسيّرات عراقية. القاعدة الأميركية «تاور 22» هي داخل الأراضي الأردنية. والقوات موجودة بموافقه المملكة الأردنية الهاشمية. تسمع منهم أنهم يشعرون بأنهم مهددون حقيقة في هذا الموضوع.

 

 

بايدن مع زيباري ونوري المالكي في البيت الأبيض عام 2009 (غيتي)

* هل هناك خطر أن نرى ذات يوم قوات «البيشمركة» تحمل السلاح وتصطدم بـ«الحشد الشعبي» مثلاً؟

 

- هذا احتمال بعيد المدى. لا أتصور أن القيادة الكردية عندها أي تفكير في هذا الموضوع، ولا هم. لكن في 2017، حصلت اصطدامات دموية. بعد عملية الاستفتاء في الإقليم حاولوا الهجوم على الإقليم من طريق كركوك إلى أربيل وصدتهم «البيشمركة» ومنعتهم، وأيضاً في منطقه زاخو في دهوك حاولوا التقدم للإمساك بالمعبر الأساسي في إبراهيم الخليل، الرابط الحيوي بين تركيا والعراق. اصطدمنا معهم لأننا شعرنا بتهديد وجودي ولم يكن أمامنا إلا أن نتصدى.

 

* هل عملياً تقول الفصائل اليوم لكم ما قاله طارق عزيز ذات يوم أن ليس لكم في كركوك إلا حق البكاء عليها؟

 

- لا والله. هذه الانتخابات الأخيرة، إذا لاحظت، كان الانطباع السائد بأنه بعد هذه السنوات والتغيرات الإدارية ونقل الموظفين والتغيير الديموغرافي أنه ربما أثر، لكن الانتخابات الأخيرة لمجالس المحافظات أكدت أن الوجود الكردي في كركوك لا يزال قوياً. التصويت عبّر عن حالة توازن بين الكتلة الكردية والكتلة العربية والتركمانية. هذا الحلم باق على أساس الدستور. فصل الدستور في كيفية حل قضايا الحدود الداخلية أو المناطق المتنازع عليها.

 

فساد بمئات المليارات

* هناك مئات المليارات من الدولارات تبخّرت في العراق. أين ذهبت؟ مجرد فساد أم تمويل نزاعات إقليمية؟

 

- مع الأسف حدثت عمليات فساد كبيرة جداً. حتى في زماننا وحتى في زمن المالكي وعلاوي والجعفري أو الحكومات الأخرى زمن حيدر العبادي، لم يكن الفساد بهذه الصورة وبهذه الأحجام الكبيرة لسرقة المال العام. يعني سابقاً ربما تصير حالات فساد ببضعة آلاف الدولارات أو «فليسات». حالياً ملايين ومليارات يعني تُسرق في قضايا فساد وأيضاً ممكن تستخدم في تمويل حروب ونزاعات إقليمية. وارد جداً جداً.

 

* يُحكى عن 400 مليار دولار.

 

- صحيح. هذا الرقم صحيح ومثبت. تعلمت من المالية أن يكون كل شيء مثبتاً.

 

* أورد هذا الرقم الدكتور أحمد الجلبي وهو تابَع قضايا الفساد واتُهم بالفساد...

 

- أشهد له أنه كان إنساناً نظيفاً. نعم كانت عليه مشكلة في بنك البتراء في الأردن في ظروف الحرب العراقية - الإيرانية وقتها. لكن أشهد له بعد وفاته ومعرفة عائلته أنه لم يترك لهم شيئاً إطلاقاً. حين كنت وزيراً للمالية وكان المرحوم رئيس اللجنة المالية، عملنا معاً على قضايا فساد واضحة ومحددة. بنك من البنوك نهب رئيسه التنفيذي خلال سنتين تقريباً حوالي 6 مليارات دولار. أين ذهبت هذه الأموال؟ حين تابعناها وقتها وجدنا أنها ذهبت إلى عمان وإلى بيروت.

 

* نُقلت إلى بيروت بأي هدف؟

 

- هذا هو السؤال حقيقةً. وتعقبناها بحكم المعلومات والبيانات المتوفرة. وبعد كل هذه السنوات وزارة الخزانة الأميركية اكتشفت هذه السرقة ووضعت على هذا البنك وربما بنوك أخرى.

 

أحد التهديدات الكبيرة على استقرار العراق هو هذا الفساد المستشري بشكل عجيب وغريب في كل مفاصل المشاريع الحكومية في مجالس المحافظات والميزانيات الانفجارية، وأيضاً مسألة تهميش الآخرين وعدم تحقيق المصالحة لكل من نادى بها، وتأسيس دولة قانون يثق بها الناس والمستثمرون. مثلاً مجال النفط الذي هو أساس اعتماد اقتصاد العراق، تركته معظم الشركات الغربية والأوروبية بسبب عدم الاستقرار والثقة بهذا النظام المصرفي والقانوني.

 

* هل استدرجت إيران، أميركا، إلى تبادل الضربات في العراق؟

 

  • أشك حقيقةً. لا أؤمن بنظرية المؤامرة. ضربات «الحشد» ضد المصالح الأميركية بدأت قبل «طوفان الأقصى». الرد الأميركي كان خفيفاً ومتقطعاً أكثر من اللازم، وكانت العملية تجري وكأنها وفق قياسات معينة. أن تضرب ولكن لا تقتل. لكن بعد العملية الأخيرة التي قُتل فيها ثلاثة من الأميركيين وجُرح أكثر من 40 اضطروا إلى الرد. طبيعي ربما هناك تواصل بين إيران وبين أميركا من خلال القطريين والعُمانيين وتبادل رسائل. لكن الأميركيين أثبتوا أن لديهم الردع، وعندما تستهدف مصالحهم لن يتوقفوا عند أي شيء. وقعت عمليتان في قلب بغداد ضد قيادات عملياتية مهمة من «كتائب حزب الله» ومن «النجباء».
  • الرئيسية
  • الشرق الأوسط​
  • العالم
  • الرأي
  • الاقتصاد
  • ثقافة وفنون
  • صحة وعلوم
  • تكنولوجيا
  • يوميات الشرق​
  • الرياضة
  • في العمق
  • فيديو
  • بودكاست
  • ألعاب
  • العالم العربي 
  • المشرق العربي
  • زيباري لـ«الشرق الأوسط»: سُنة العراق يشعرون بالتهميش وبعض الأجهزة الأمنية مخترقة
  • قال إن «الطريقة المخزية في إعدام صدام منحته مكانة لا يستحقها»
  • لندن: غسان شربل
  • آخر تحديث: 14:01-20 فبراير 2024 م ـ 09 شَعبان 1445 هـ
  • نُشر: 13:57-20 فبراير 2024 م ـ 09 شَعبان 1445 هـ
  • TT

كان هوشيار زيباري، وزير الخارجية العراقي السابق، شريكاً في محطات حساسة في شؤون الداخل والخارج معاً. سألته «الشرق الأوسط» عن القرار الأمني والفساد والعلاقات بين المكونات، علاوة على ما سمعه من زعماء عرب بعد قيام النظام الحالي في بلاده. وهنا نص الحلقة الثانية والأخيرة:

 

* هل كان جو بايدن داعماً لبقاء رئيس الوزراء نوري المالكي؟

 

- التقيت بايدن عشرات المرات. أعرفه من سنة 1992 حين كنا نحاول عمل «لوبي» في الكونغرس الأميركي. وكان متعاطفاً ومؤيداً للتغيير في العراق. زار الإقليم والعراق عشرات المرات. وفي الفترتين الأولى والثانية لرئاسة أوباما كان هو المسؤول عن ملف العراق في كل التفاصيل.

 

* كان مؤيداً للمالكي؟

 

- نعم. دعني أوضح الفكرة. أحد الأخطاء التي نتحمل مسؤوليتها كقيادات عراقية، ارتكبناها بعد انتخابات 2010 عندما فازت قائمة الدكتور إياد علاوي بعدد واضح من الأصوات عن القوائم الشيعية، وقائمته كانت حقيقة بها كل الأطياف الشيعية والسنية ومن القوميات الأخرى والأديان. آنذاك، سبحان الله، كانت إيران وأميركا داعمتين للمالكي. ومنطقهم (الأميركيين) حتى أكون منصفاً، كان أن لدينا عملية انتقال وانسحاب قواتنا في 2011 واتفاقية أخرى، فدعونا لا نهز المركب لتستمر العملية، مع التضحية للأسف بنجاح برلماني وانتخابي باهر وواضح للدكتور إياد علاوي.

 

 

 

آنذاك كل القيادات مشت في هذا الاتجاه لنكمل المسيرة، لكن مراجعة للنفس وللتاريخ، أعترف أن هذه المحطة كانت أكبر خطأ استراتيجي وقع.

 

* هل ظُلِم إياد علاوي؟

 

- نعم. ظُلِم.

 

* هناك من يقول إن استبعاد إياد علاوي في العراق واغتيال رفيق الحريري في بيروت ضربا القوى المعتدلة في البلدين...

 

- هناك أساس لهذا الربط، وليس بعيداً. تعلمت شيئاً في التعامل مع سياسة الشرق الأوسط، وهو أن الأمور متداخلة. لا يمكنك فصل الوضع في لبنان عن الوضع في المنطقة، في إيران في الخليج في سوريا في فلسطين في الأردن. المسائل بها ترابط. لكن هل كان ذلك مبرمجاً، لا يمكنني أن أؤكد.

 

* هل تعتقد أن الأردن معرض لتهديدات؟

 

- مُعرّض جداً جداً. مستقبل قوات التحالف الدولي أو الأميركية في العراق... يعني أكثر من طرف. في تقديري، انسحابهم من العراق، هو آخر قلعة لهم، لنفوذهم في الشرق الأوسط. الأمن الأردني أيضاً مهدد. أمن الخليج سيكون مهدداً. الرسائل التي نسمعها من إخواننا في بعض دول الخليج أنهم قلقون أكثر من هذه التقارير والمعلومات والأخبار. وأيضاً الأردن حالياً داخل في معركة مع المخدرات ومع القوى التي تستهدف أراضيه. للمرة الأولى يُضرب الأردن بمسيّرات عراقية. القاعدة الأميركية «تاور 22» هي داخل الأراضي الأردنية. والقوات موجودة بموافقه المملكة الأردنية الهاشمية. تسمع منهم أنهم يشعرون بأنهم مهددون حقيقة في هذا الموضوع.

 

 

بايدن مع زيباري ونوري المالكي في البيت الأبيض عام 2009 (غيتي)

* هل هناك خطر أن نرى ذات يوم قوات «البيشمركة» تحمل السلاح وتصطدم بـ«الحشد الشعبي» مثلاً؟

 

- هذا احتمال بعيد المدى. لا أتصور أن القيادة الكردية عندها أي تفكير في هذا الموضوع، ولا هم. لكن في 2017، حصلت اصطدامات دموية. بعد عملية الاستفتاء في الإقليم حاولوا الهجوم على الإقليم من طريق كركوك إلى أربيل وصدتهم «البيشمركة» ومنعتهم، وأيضاً في منطقه زاخو في دهوك حاولوا التقدم للإمساك بالمعبر الأساسي في إبراهيم الخليل، الرابط الحيوي بين تركيا والعراق. اصطدمنا معهم لأننا شعرنا بتهديد وجودي ولم يكن أمامنا إلا أن نتصدى.

 

* هل عملياً تقول الفصائل اليوم لكم ما قاله طارق عزيز ذات يوم أن ليس لكم في كركوك إلا حق البكاء عليها؟

 

- لا والله. هذه الانتخابات الأخيرة، إذا لاحظت، كان الانطباع السائد بأنه بعد هذه السنوات والتغيرات الإدارية ونقل الموظفين والتغيير الديموغرافي أنه ربما أثر، لكن الانتخابات الأخيرة لمجالس المحافظات أكدت أن الوجود الكردي في كركوك لا يزال قوياً. التصويت عبّر عن حالة توازن بين الكتلة الكردية والكتلة العربية والتركمانية. هذا الحلم باق على أساس الدستور. فصل الدستور في كيفية حل قضايا الحدود الداخلية أو المناطق المتنازع عليها.

 

فساد بمئات المليارات

* هناك مئات المليارات من الدولارات تبخّرت في العراق. أين ذهبت؟ مجرد فساد أم تمويل نزاعات إقليمية؟

 

- مع الأسف حدثت عمليات فساد كبيرة جداً. حتى في زماننا وحتى في زمن المالكي وعلاوي والجعفري أو الحكومات الأخرى زمن حيدر العبادي، لم يكن الفساد بهذه الصورة وبهذه الأحجام الكبيرة لسرقة المال العام. يعني سابقاً ربما تصير حالات فساد ببضعة آلاف الدولارات أو «فليسات». حالياً ملايين ومليارات يعني تُسرق في قضايا فساد وأيضاً ممكن تستخدم في تمويل حروب ونزاعات إقليمية. وارد جداً جداً.

 

* يُحكى عن 400 مليار دولار.

 

- صحيح. هذا الرقم صحيح ومثبت. تعلمت من المالية أن يكون كل شيء مثبتاً.

 

* أورد هذا الرقم الدكتور أحمد الجلبي وهو تابَع قضايا الفساد واتُهم بالفساد...

 

- أشهد له أنه كان إنساناً نظيفاً. نعم كانت عليه مشكلة في بنك البتراء في الأردن في ظروف الحرب العراقية - الإيرانية وقتها. لكن أشهد له بعد وفاته ومعرفة عائلته أنه لم يترك لهم شيئاً إطلاقاً. حين كنت وزيراً للمالية وكان المرحوم رئيس اللجنة المالية، عملنا معاً على قضايا فساد واضحة ومحددة. بنك من البنوك نهب رئيسه التنفيذي خلال سنتين تقريباً حوالي 6 مليارات دولار. أين ذهبت هذه الأموال؟ حين تابعناها وقتها وجدنا أنها ذهبت إلى عمان وإلى بيروت.

 

* نُقلت إلى بيروت بأي هدف؟

 

- هذا هو السؤال حقيقةً. وتعقبناها بحكم المعلومات والبيانات المتوفرة. وبعد كل هذه السنوات وزارة الخزانة الأميركية اكتشفت هذه السرقة ووضعت على هذا البنك وربما بنوك أخرى.

 

أحد التهديدات الكبيرة على استقرار العراق هو هذا الفساد المستشري بشكل عجيب وغريب في كل مفاصل المشاريع الحكومية في مجالس المحافظات والميزانيات الانفجارية، وأيضاً مسألة تهميش الآخرين وعدم تحقيق المصالحة لكل من نادى بها، وتأسيس دولة قانون يثق بها الناس والمستثمرون. مثلاً مجال النفط الذي هو أساس اعتماد اقتصاد العراق، تركته معظم الشركات الغربية والأوروبية بسبب عدم الاستقرار والثقة بهذا النظام المصرفي والقانوني.

 

* هل استدرجت إيران، أميركا، إلى تبادل الضربات في العراق؟

 

- أشك حقيقةً. لا أؤمن بنظرية المؤامرة. ضربات «الحشد» ضد المصالح الأميركية بدأت قبل «طوفان الأقصى». الرد الأميركي كان خفيفاً ومتقطعاً أكثر من اللازم، وكانت العملية تجري وكأنها وفق قياسات معينة. أن تضرب ولكن لا تقتل. لكن بعد العملية الأخيرة التي قُتل فيها ثلاثة من الأميركيين وجُرح أكثر من 40 اضطروا إلى الرد. طبيعي ربما هناك تواصل بين إيران وبين أميركا من خلال القطريين والعُمانيين وتبادل رسائل. لكن الأميركيين أثبتوا أن لديهم الردع، وعندما تستهدف مصالحهم لن يتوقفوا عند أي شيء. وقعت عمليتان في قلب بغداد ضد قيادات عملياتية مهمة من «كتائب حزب الله» ومن «النجباء».

 

 

عناصر من «حركة النجباء» العراقية خلال تجمع في بغداد لمساندة عملية «حماس» ضد إسرائيل (أ.ف.ب)

هل استدرجت إيران أميركا؟ حين تسمع الخطاب الإيراني والخطاب الأميركي، كلا الطرفين يقول لا نريد التصعيد. لكن في حروب غير منضبطة كهذه، يمكن أن تحصل أخطاء. يعني ما يجري في باب المندب وفي خليج عدن وفي البحر الأحمر، إذا ضرب صاروخ بحري مدمرة أو سفينة أميركية أو بريطانية، يمكن أن يغير قواعد اللعبة. باب المفاجآت موجود.

 

* هل تعتقد أن طريقه إعدام صدام حسين وموعد إعدامه وما فُعل بجثته دفع إلى إبقائه حياً لدى جزء من العراقيين؟

 

- تابعت ورافقت هذا الموضوع. لم ألتق صدام حسين. في إحدى جلسات محاكمته، وباعتباري واحداً ممن تضرروا شخصياً منه بسبب قتله ثلاثة من إخواني بسبب نشاطنا السياسي والمعارض، طلب مني كثير من الأصدقاء أن أشاهد إحدى الجلسات، فذهبت وشاهدت إحدى الجلسات فقط. أما طريقة إعدامه وتوقيت إعدامه فكانا أمراً مخزياً حقيقة. رغم كل الجرائم التي حُوكم عليها، فإن هذه الطريقة البشعة في الإخراج أعطته مكانةً لا يستحقها، كي أكون دقيقاً وواضحاً. لم تكن طريقة فروسية أو نبيلة لأخذ القصاص منه بهذا الأسلوب وبهذه البشاعة. نعم كان لها تأثير على كثير من الناس أنه ظُلم أو غُدر. هناك انطباع كهذا.

 

أما إذا تسألني عما إذا كنا نادمين على تغيير النظام، فأقول لك: لا والله. كانت أمامنا فرصة حقيقية لتغيير هذا البلد وجعله إحدى قصص النجاح في المنطقة بإمكانياته وقدراته وعلاقاته وانفتاح العالم عليه وحسن النوايا الذي كان موجوداً دولياً وعربياً وإسلامياً لمساعدتنا في الخروج من عنق الزجاجة.

 

* هل فاجأكم المجتمع العراقي؟ دورات انتخابية عدة انتهت بما يسميه البعض دولة الفصائل.

 

- الخلل ليس بالنظام الديمقراطي الذي اتبعناه. أعتقد أن هذا النظام مناسب. تنفيذه أو تطبيقه جرى بشكل خاطئ جداً. يعني في الانتخابات أغلبية فائزة وتأتي المحكمة الاتحادية وتقول: لا، أنتم الفائزون. الكتل الأخرى التي تشكل، واستنسخوا لنا تجربة الثلث المعطل من لبنان. هذا هو الخلل. في آخر مرة كان الأخوه العرب السنة منكفئين وغير مؤمنين بالانتخابات، لكن كل المؤشرات والأرقام والحقائق التي ظهرت في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة، أظهرت مشاركة سنية قوية جداً جداً، في الأنبار وفي بغداد وفي ديالى وفي صلاح الدين وفي كركوك وفي الموصل. هذا مؤشر أن الناس تريد التغيير من خلال صناديق الاقتراع واختيار ممثليهم.

 

أما مسألة وجود فصائل خارجة على القانون، فهذا عمل السلطة التنفيذية، يعني رئيس الحكومة أو القائد العام للقوات المسلحة المفروض أن يمنع هذا الشيء. كل رؤساء الحكومات طرحوا موضوع حصر السلاح بيد الدولة، وإلى الآن غير قادرين أو «عاجزين»، لأن الفصائل لديها إمكانيات ونفوذ وتأثير أقوى. هنا الخلل حقيقة في المشهد العراقي.

 

* يعني الدولة تقيم في عهدة الفصائل بدل أن يحدث العكس؟

 

- نعم. تمويلها كلها من الدولة. حتى هذه الفصائل المقاومة قسم منها رواتبها من الدولة. هناك خلل الحقيقة في هذا الجانب.

 

* كنت وزيراً للمالية. كم يبلغ عدد من يتقاضون رواتب من الدولة العراقية؟

 

- شيء مهول الحقيقة. لا أذكر الرقم النهائي. أتصور أن الموظفين في الخدمة العامة والمتقاعدين ومتلقي الرعاية الاجتماعية فوق الـ8 ملايين. شيء من هذا القبيل. شيء مهول. يعني خلال حكومة (رئيس الوزراء الحالي) السيد محمد شياع السوداني التي صار لها أكثر من سنة وظفوا 700 ألف موظف في القطاع العام للدولة.

 

تجربة السوداني

* كيف ترى تجربة حكومة السوداني؟

 

- السوداني جاء كمرشح توافقي وليست عنده كتلة ولا حزب سياسي. وكان موظفاً إدارياً متدرجاً عاش في العراق ولم يعش في الخارج. كان وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية ولحقوق الإنسان عملنا معاً حوالي سبع أو ثماني سنوات. لفترة كان وزير مالية بالوكالة. أعرفه شخصياً. إنسان طيب ونواياه سليمة. لكن النوايا الطيبة وحدها غير كافية لحكم بلد مثل العراق.

 

عنده ضغوطات، لكن عنده صلاحية للتحرك، وعنده مجال. هو المسؤول التنفيذي الأول في الدولة، أي أقوى شخصية في نظامنا السياسي. القائد العام للقوات المسلحة وعنده صلاحيات وإمكانيات ممكن يتجاوز بعض القيود التي تفرض عليه. في تقديري عنده هذه الصلاحية والفرصة. كل الأطراف الأخرى تحتاجه أكثر مما يحتاجها، ومع الأسف لا يستخدم ورقة القوة هذه للجم أو تحجيم التصرفات أو الاعتداءات أو الانتهاكات.

 

* رئيس الوزراء العراقي هو فعلياً القائد العام للقوات المسلحة؟

 

- نعم. هو فعلياً يجب أن يكون القائد العام للقوات المسلحة حسب الدستور. لكن مع الأسف الشديد، حتى في الأجهزة الأمنية صار تغلغل وولاءات فرعية ومذهبية. هذا ما ذكره لي قبل أيام (رئيس الوزراء السابق) السيد مصطفى الكاظمي أنه لم يكن يستطيع السيطرة على القوات الأمنية التابعة من الفرقة الخاصة وقوات مكافحة الإرهاب وقوات الجيش والنخبة إلى آخره. لكن هذه من مهمتك. في سبيل أن تقود البلد، لا بد من أن تحتكر قوة العنف الموجودة عندك.

 

قبر صدام و«تهريب جثته»

* هل هناك مكان معروف لقبر صدام حسين؟

 

- حين أُعدم، طلب أقاربُه وذووه استلام الجثة لدفنها في تكريت. آنذاك صارت الموافقة، لكن بعدها خرجت قصص وروايات. أمانة لا أستطيع أن أنفي أو أؤكد أنه هل ما زال هناك أم هل جاء جماعة المقاومة والبعثيون أخذوه وطلعوا بالجثة إلى الخارج، ولاحقاً سيرجعونه مرة أخرى.هل هناك رواية تقول إنه أُخرج إلى خارج البلد؟

 

- هناك تقارير تقول ذلك. السيدة رغد ابنة الرئيس صدام تفكر هكذا.

 

* أن البعثيين أخرجوا جثته؟

 

- نعم. حتى لا يُنتهك أكثر من قبل (خصومه). لكن حقيقة لا أعرف.

 

* أُبعدت عن الانتخابات على مختلف مستوياتها بقرار من المحكمة الاتحادية. هل تجزم اليوم لـ«الشرق الأوسط» أنك غير ضالع في أي قضية فساد؟

 

- أنا أؤكد لك أنني غير ضالع في أي قضية فساد. وأيضاً أنا حضرت أمام محاكم النزاهة وبرأت ساحتي من كل التهم التي وجهوها لي. والشيء بالشيء يُذكر، حالياً هناك دراسة قانونية حول حالتي، وكيف أن المحكمة الاتحادية ظلمتني وتغاضت عن حقوقي السياسية والدستورية في هذا القرار الجائر التعسفي الذي كان مسيساً. لكن أنا لم تسجل عليّ أي قضية في هذه المحاكم وفي هذه الادعاءات التي ساقوها إطلاقاً، والحمد لله.الملا مصطفى البارزاني كان زوج أختك، وأنت خال مسعود البارزاني؟

 

- نعم. صحيح صحيح.

 

* لو تذكر لي بعبارات قليلة شيئاً عن الملا مصطفى عن شخصيته وأهمية دوره.

 

- شخصية تاريخية فريدة حقيقةً. لا يمكن استنساخها. رغم صلة القرابة، لكن أنا التقيته حين كنت شاباً طموحاً، وهو من ساعدني على إكمال دراستي في الأردن من خلال اتصاله الشخصي مع جلالة الملك حسين. بعض المسائل التي أتذكرها عنه أنه كان يحثني على التعلم وإنهاء الدراسة. قال إن كردستان الحلم لن تتحقق إلا بجهود ناس مثقفين متعلمين.

 

الصفة الأخرى التي كان يحثني عليها دائماً هي التواضع، ونحن عشائر وقبائل. التواضع وعدم الاستكبار وعدم إظهار أنك قريب منا وأنك ابن عائلة وما إلى ذلك. كان متواضعاً جداً. النقطة الأخرى هي واقعيته. كان إنساناً واقعياً. كان ثورياً لكن بطريقة تطورية.

 

هناك مقولة يرددها صدام أن التاريخ يكتبه المنتصر. لكن هذا ليس صحيحاً. قيادات كثيرة لم تحقق النصر، لكن بقيت قيادات مهمة في الذاكرة الشعبية في رمزيتها وفي دورها. ويمكنني أن أسوق لك الكثير من هذه الحالات. الملا مصطفى كان شخصية فريدة، ليس فقط على مستوى أكراد العراق، بل أيضاً على مستوى الكرد في تركيا وفي سوريا وفي إيران وفي القوقاز وغيرها. شخصية فذة.

الرئيسية

الشرق الأوسط​

العالم

الرأي

الاقتصاد

ثقافة وفنون

صحة وعلوم

تكنولوجيا

يوميات الشرق​

الرياضة

في العمق

فيديو

بودكاست

ألعاب

العالم العربي 

المشرق العربي

زيباري لـ«الشرق الأوسط»: سُنة العراق يشعرون بالتهميش وبعض الأجهزة الأمنية مخترقة

قال إن «الطريقة المخزية في إعدام صدام منحته مكانة لا يستحقها»

لندن: غسان شربل

آخر تحديث: 14:01-20 فبراير 2024 م ـ 09 شَعبان 1445 هـ

نُشر: 13:57-20 فبراير 2024 م ـ 09 شَعبان 1445 هـ

TT

 

كان هوشيار زيباري، وزير الخارجية العراقي السابق، شريكاً في محطات حساسة في شؤون الداخل والخارج معاً. سألته «الشرق الأوسط» عن القرار الأمني والفساد والعلاقات بين المكونات، علاوة على ما سمعه من زعماء عرب بعد قيام النظام الحالي في بلاده. وهنا نص الحلقة الثانية والأخيرة:

 

* هل كان جو بايدن داعماً لبقاء رئيس الوزراء نوري المالكي؟

 

- التقيت بايدن عشرات المرات. أعرفه من سنة 1992 حين كنا نحاول عمل «لوبي» في الكونغرس الأميركي. وكان متعاطفاً ومؤيداً للتغيير في العراق. زار الإقليم والعراق عشرات المرات. وفي الفترتين الأولى والثانية لرئاسة أوباما كان هو المسؤول عن ملف العراق في كل التفاصيل.

 

* كان مؤيداً للمالكي؟

 

- نعم. دعني أوضح الفكرة. أحد الأخطاء التي نتحمل مسؤوليتها كقيادات عراقية، ارتكبناها بعد انتخابات 2010 عندما فازت قائمة الدكتور إياد علاوي بعدد واضح من الأصوات عن القوائم الشيعية، وقائمته كانت حقيقة بها كل الأطياف الشيعية والسنية ومن القوميات الأخرى والأديان. آنذاك، سبحان الله، كانت إيران وأميركا داعمتين للمالكي. ومنطقهم (الأميركيين) حتى أكون منصفاً، كان أن لدينا عملية انتقال وانسحاب قواتنا في 2011 واتفاقية أخرى، فدعونا لا نهز المركب لتستمر العملية، مع التضحية للأسف بنجاح برلماني وانتخابي باهر وواضح للدكتور إياد علاوي.

 

 

 

آنذاك كل القيادات مشت في هذا الاتجاه لنكمل المسيرة، لكن مراجعة للنفس وللتاريخ، أعترف أن هذه المحطة كانت أكبر خطأ استراتيجي وقع.

 

* هل ظُلِم إياد علاوي؟

 

- نعم. ظُلِم.

 

* هناك من يقول إن استبعاد إياد علاوي في العراق واغتيال رفيق الحريري في بيروت ضربا القوى المعتدلة في البلدين...

 

- هناك أساس لهذا الربط، وليس بعيداً. تعلمت شيئاً في التعامل مع سياسة الشرق الأوسط، وهو أن الأمور متداخلة. لا يمكنك فصل الوضع في لبنان عن الوضع في المنطقة، في إيران في الخليج في سوريا في فلسطين في الأردن. المسائل بها ترابط. لكن هل كان ذلك مبرمجاً، لا يمكنني أن أؤكد.

 

* هل تعتقد أن الأردن معرض لتهديدات؟

 

- مُعرّض جداً جداً. مستقبل قوات التحالف الدولي أو الأميركية في العراق... يعني أكثر من طرف. في تقديري، انسحابهم من العراق، هو آخر قلعة لهم، لنفوذهم في الشرق الأوسط. الأمن الأردني أيضاً مهدد. أمن الخليج سيكون مهدداً. الرسائل التي نسمعها من إخواننا في بعض دول الخليج أنهم قلقون أكثر من هذه التقارير والمعلومات والأخبار. وأيضاً الأردن حالياً داخل في معركة مع المخدرات ومع القوى التي تستهدف أراضيه. للمرة الأولى يُضرب الأردن بمسيّرات عراقية. القاعدة الأميركية «تاور 22» هي داخل الأراضي الأردنية. والقوات موجودة بموافقه المملكة الأردنية الهاشمية. تسمع منهم أنهم يشعرون بأنهم مهددون حقيقة في هذا الموضوع.

 

 

بايدن مع زيباري ونوري المالكي في البيت الأبيض عام 2009 (غيتي)

* هل هناك خطر أن نرى ذات يوم قوات «البيشمركة» تحمل السلاح وتصطدم بـ«الحشد الشعبي» مثلاً؟

 

- هذا احتمال بعيد المدى. لا أتصور أن القيادة الكردية عندها أي تفكير في هذا الموضوع، ولا هم. لكن في 2017، حصلت اصطدامات دموية. بعد عملية الاستفتاء في الإقليم حاولوا الهجوم على الإقليم من طريق كركوك إلى أربيل وصدتهم «البيشمركة» ومنعتهم، وأيضاً في منطقه زاخو في دهوك حاولوا التقدم للإمساك بالمعبر الأساسي في إبراهيم الخليل، الرابط الحيوي بين تركيا والعراق. اصطدمنا معهم لأننا شعرنا بتهديد وجودي ولم يكن أمامنا إلا أن نتصدى.

 

* هل عملياً تقول الفصائل اليوم لكم ما قاله طارق عزيز ذات يوم أن ليس لكم في كركوك إلا حق البكاء عليها؟

 

- لا والله. هذه الانتخابات الأخيرة، إذا لاحظت، كان الانطباع السائد بأنه بعد هذه السنوات والتغيرات الإدارية ونقل الموظفين والتغيير الديموغرافي أنه ربما أثر، لكن الانتخابات الأخيرة لمجالس المحافظات أكدت أن الوجود الكردي في كركوك لا يزال قوياً. التصويت عبّر عن حالة توازن بين الكتلة الكردية والكتلة العربية والتركمانية. هذا الحلم باق على أساس الدستور. فصل الدستور في كيفية حل قضايا الحدود الداخلية أو المناطق المتنازع عليها.

 

فساد بمئات المليارات

* هناك مئات المليارات من الدولارات تبخّرت في العراق. أين ذهبت؟ مجرد فساد أم تمويل نزاعات إقليمية؟

 

- مع الأسف حدثت عمليات فساد كبيرة جداً. حتى في زماننا وحتى في زمن المالكي وعلاوي والجعفري أو الحكومات الأخرى زمن حيدر العبادي، لم يكن الفساد بهذه الصورة وبهذه الأحجام الكبيرة لسرقة المال العام. يعني سابقاً ربما تصير حالات فساد ببضعة آلاف الدولارات أو «فليسات». حالياً ملايين ومليارات يعني تُسرق في قضايا فساد وأيضاً ممكن تستخدم في تمويل حروب ونزاعات إقليمية. وارد جداً جداً.

 

* يُحكى عن 400 مليار دولار.

 

- صحيح. هذا الرقم صحيح ومثبت. تعلمت من المالية أن يكون كل شيء مثبتاً.

 

* أورد هذا الرقم الدكتور أحمد الجلبي وهو تابَع قضايا الفساد واتُهم بالفساد...

 

- أشهد له أنه كان إنساناً نظيفاً. نعم كانت عليه مشكلة في بنك البتراء في الأردن في ظروف الحرب العراقية - الإيرانية وقتها. لكن أشهد له بعد وفاته ومعرفة عائلته أنه لم يترك لهم شيئاً إطلاقاً. حين كنت وزيراً للمالية وكان المرحوم رئيس اللجنة المالية، عملنا معاً على قضايا فساد واضحة ومحددة. بنك من البنوك نهب رئيسه التنفيذي خلال سنتين تقريباً حوالي 6 مليارات دولار. أين ذهبت هذه الأموال؟ حين تابعناها وقتها وجدنا أنها ذهبت إلى عمان وإلى بيروت.

 

* نُقلت إلى بيروت بأي هدف؟

 

- هذا هو السؤال حقيقةً. وتعقبناها بحكم المعلومات والبيانات المتوفرة. وبعد كل هذه السنوات وزارة الخزانة الأميركية اكتشفت هذه السرقة ووضعت على هذا البنك وربما بنوك أخرى.

 

أحد التهديدات الكبيرة على استقرار العراق هو هذا الفساد المستشري بشكل عجيب وغريب في كل مفاصل المشاريع الحكومية في مجالس المحافظات والميزانيات الانفجارية، وأيضاً مسألة تهميش الآخرين وعدم تحقيق المصالحة لكل من نادى بها، وتأسيس دولة قانون يثق بها الناس والمستثمرون. مثلاً مجال النفط الذي هو أساس اعتماد اقتصاد العراق، تركته معظم الشركات الغربية والأوروبية بسبب عدم الاستقرار والثقة بهذا النظام المصرفي والقانوني.

 

* هل استدرجت إيران، أميركا، إلى تبادل الضربات في العراق؟

 

- أشك حقيقةً. لا أؤمن بنظرية المؤامرة. ضربات «الحشد» ضد المصالح الأميركية بدأت قبل «طوفان الأقصى». الرد الأميركي كان خفيفاً ومتقطعاً أكثر من اللازم، وكانت العملية تجري وكأنها وفق قياسات معينة. أن تضرب ولكن لا تقتل. لكن بعد العملية الأخيرة التي قُتل فيها ثلاثة من الأميركيين وجُرح أكثر من 40 اضطروا إلى الرد. طبيعي ربما هناك تواصل بين إيران وبين أميركا من خلال القطريين والعُمانيين وتبادل رسائل. لكن الأميركيين أثبتوا أن لديهم الردع، وعندما تستهدف مصالحهم لن يتوقفوا عند أي شيء. وقعت عمليتان في قلب بغداد ضد قيادات عملياتية مهمة من «كتائب حزب الله» ومن «النجباء».

 

 

عناصر من «حركة النجباء» العراقية خلال تجمع في بغداد لمساندة عملية «حماس» ضد إسرائيل (أ.ف.ب)

هل استدرجت إيران أميركا؟ حين تسمع الخطاب الإيراني والخطاب الأميركي، كلا الطرفين يقول لا نريد التصعيد. لكن في حروب غير منضبطة كهذه، يمكن أن تحصل أخطاء. يعني ما يجري في باب المندب وفي خليج عدن وفي البحر الأحمر، إذا ضرب صاروخ بحري مدمرة أو سفينة أميركية أو بريطانية، يمكن أن يغير قواعد اللعبة. باب المفاجآت موجود.

 

* هل تعتقد أن طريقه إعدام صدام حسين وموعد إعدامه وما فُعل بجثته دفع إلى إبقائه حياً لدى جزء من العراقيين؟

 

- تابعت ورافقت هذا الموضوع. لم ألتق صدام حسين. في إحدى جلسات محاكمته، وباعتباري واحداً ممن تضرروا شخصياً منه بسبب قتله ثلاثة من إخواني بسبب نشاطنا السياسي والمعارض، طلب مني كثير من الأصدقاء أن أشاهد إحدى الجلسات، فذهبت وشاهدت إحدى الجلسات فقط. أما طريقة إعدامه وتوقيت إعدامه فكانا أمراً مخزياً حقيقة. رغم كل الجرائم التي حُوكم عليها، فإن هذه الطريقة البشعة في الإخراج أعطته مكانةً لا يستحقها، كي أكون دقيقاً وواضحاً. لم تكن طريقة فروسية أو نبيلة لأخذ القصاص منه بهذا الأسلوب وبهذه البشاعة. نعم كان لها تأثير على كثير من الناس أنه ظُلم أو غُدر. هناك انطباع كهذا.

 

أما إذا تسألني عما إذا كنا نادمين على تغيير النظام، فأقول لك: لا والله. كانت أمامنا فرصة حقيقية لتغيير هذا البلد وجعله إحدى قصص النجاح في المنطقة بإمكانياته وقدراته وعلاقاته وانفتاح العالم عليه وحسن النوايا الذي كان موجوداً دولياً وعربياً وإسلامياً لمساعدتنا في الخروج من عنق الزجاجة.

 

* هل فاجأكم المجتمع العراقي؟ دورات انتخابية عدة انتهت بما يسميه البعض دولة الفصائل.

 

- الخلل ليس بالنظام الديمقراطي الذي اتبعناه. أعتقد أن هذا النظام مناسب. تنفيذه أو تطبيقه جرى بشكل خاطئ جداً. يعني في الانتخابات أغلبية فائزة وتأتي المحكمة الاتحادية وتقول: لا، أنتم الفائزون. الكتل الأخرى التي تشكل، واستنسخوا لنا تجربة الثلث المعطل من لبنان. هذا هو الخلل. في آخر مرة كان الأخوه العرب السنة منكفئين وغير مؤمنين بالانتخابات، لكن كل المؤشرات والأرقام والحقائق التي ظهرت في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة، أظهرت مشاركة سنية قوية جداً جداً، في الأنبار وفي بغداد وفي ديالى وفي صلاح الدين وفي كركوك وفي الموصل. هذا مؤشر أن الناس تريد التغيير من خلال صناديق الاقتراع واختيار ممثليهم.

 

أما مسألة وجود فصائل خارجة على القانون، فهذا عمل السلطة التنفيذية، يعني رئيس الحكومة أو القائد العام للقوات المسلحة المفروض أن يمنع هذا الشيء. كل رؤساء الحكومات طرحوا موضوع حصر السلاح بيد الدولة، وإلى الآن غير قادرين أو «عاجزين»، لأن الفصائل لديها إمكانيات ونفوذ وتأثير أقوى. هنا الخلل حقيقة في المشهد العراقي.

 

* يعني الدولة تقيم في عهدة الفصائل بدل أن يحدث العكس؟

 

- نعم. تمويلها كلها من الدولة. حتى هذه الفصائل المقاومة قسم منها رواتبها من الدولة. هناك خلل الحقيقة في هذا الجانب.

 

* كنت وزيراً للمالية. كم يبلغ عدد من يتقاضون رواتب من الدولة العراقية؟

 

- شيء مهول الحقيقة. لا أذكر الرقم النهائي. أتصور أن الموظفين في الخدمة العامة والمتقاعدين ومتلقي الرعاية الاجتماعية فوق الـ8 ملايين. شيء من هذا القبيل. شيء مهول. يعني خلال حكومة (رئيس الوزراء الحالي) السيد محمد شياع السوداني التي صار لها أكثر من سنة وظفوا 700 ألف موظف في القطاع العام للدولة.

 

تجربة السوداني

* كيف ترى تجربة حكومة السوداني؟

 

- السوداني جاء كمرشح توافقي وليست عنده كتلة ولا حزب سياسي. وكان موظفاً إدارياً متدرجاً عاش في العراق ولم يعش في الخارج. كان وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية ولحقوق الإنسان عملنا معاً حوالي سبع أو ثماني سنوات. لفترة كان وزير مالية بالوكالة. أعرفه شخصياً. إنسان طيب ونواياه سليمة. لكن النوايا الطيبة وحدها غير كافية لحكم بلد مثل العراق.

 

عنده ضغوطات، لكن عنده صلاحية للتحرك، وعنده مجال. هو المسؤول التنفيذي الأول في الدولة، أي أقوى شخصية في نظامنا السياسي. القائد العام للقوات المسلحة وعنده صلاحيات وإمكانيات ممكن يتجاوز بعض القيود التي تفرض عليه. في تقديري عنده هذه الصلاحية والفرصة. كل الأطراف الأخرى تحتاجه أكثر مما يحتاجها، ومع الأسف لا يستخدم ورقة القوة هذه للجم أو تحجيم التصرفات أو الاعتداءات أو الانتهاكات.

 

* رئيس الوزراء العراقي هو فعلياً القائد العام للقوات المسلحة؟

 

- نعم. هو فعلياً يجب أن يكون القائد العام للقوات المسلحة حسب الدستور. لكن مع الأسف الشديد، حتى في الأجهزة الأمنية صار تغلغل وولاءات فرعية ومذهبية. هذا ما ذكره لي قبل أيام (رئيس الوزراء السابق) السيد مصطفى الكاظمي أنه لم يكن يستطيع السيطرة على القوات الأمنية التابعة من الفرقة الخاصة وقوات مكافحة الإرهاب وقوات الجيش والنخبة إلى آخره. لكن هذه من مهمتك. في سبيل أن تقود البلد، لا بد من أن تحتكر قوة العنف الموجودة عندك.

 

قبر صدام و«تهريب جثته»

* هل هناك مكان معروف لقبر صدام حسين؟

 

- حين أُعدم، طلب أقاربُه وذووه استلام الجثة لدفنها في تكريت. آنذاك صارت الموافقة، لكن بعدها خرجت قصص وروايات. أمانة لا أستطيع أن أنفي أو أؤكد أنه هل ما زال هناك أم هل جاء جماعة المقاومة والبعثيون أخذوه وطلعوا بالجثة إلى الخارج، ولاحقاً سيرجعونه مرة أخرى.

 

 

عراقيون يقرأون الفاتحة عند قبر صدام حسين في العوجة بتكريت عام 2007 (غيتي)

* هل هناك رواية تقول إنه أُخرج إلى خارج البلد؟

 

- هناك تقارير تقول ذلك. السيدة رغد ابنة الرئيس صدام تفكر هكذا.

 

* أن البعثيين أخرجوا جثته؟

 

- نعم. حتى لا يُنتهك أكثر من قبل (خصومه). لكن حقيقة لا أعرف.

 

* أُبعدت عن الانتخابات على مختلف مستوياتها بقرار من المحكمة الاتحادية. هل تجزم اليوم لـ«الشرق الأوسط» أنك غير ضالع في أي قضية فساد؟

 

- أنا أؤكد لك أنني غير ضالع في أي قضية فساد. وأيضاً أنا حضرت أمام محاكم النزاهة وبرأت ساحتي من كل التهم التي وجهوها لي. والشيء بالشيء يُذكر، حالياً هناك دراسة قانونية حول حالتي، وكيف أن المحكمة الاتحادية ظلمتني وتغاضت عن حقوقي السياسية والدستورية في هذا القرار الجائر التعسفي الذي كان مسيساً. لكن أنا لم تسجل عليّ أي قضية في هذه المحاكم وفي هذه الادعاءات التي ساقوها إطلاقاً، والحمد لله.

 

 

 

* الملا مصطفى البارزاني كان زوج أختك، وأنت خال مسعود البارزاني؟

 

- نعم. صحيح صحيح.

 

* لو تذكر لي بعبارات قليلة شيئاً عن الملا مصطفى عن شخصيته وأهمية دوره.

 

- شخصية تاريخية فريدة حقيقةً. لا يمكن استنساخها. رغم صلة القرابة، لكن أنا التقيته حين كنت شاباً طموحاً، وهو من ساعدني على إكمال دراستي في الأردن من خلال اتصاله الشخصي مع جلالة الملك حسين. بعض المسائل التي أتذكرها عنه أنه كان يحثني على التعلم وإنهاء الدراسة. قال إن كردستان الحلم لن تتحقق إلا بجهود ناس مثقفين متعلمين.

 

الصفة الأخرى التي كان يحثني عليها دائماً هي التواضع، ونحن عشائر وقبائل. التواضع وعدم الاستكبار وعدم إظهار أنك قريب منا وأنك ابن عائلة وما إلى ذلك. كان متواضعاً جداً. النقطة الأخرى هي واقعيته. كان إنساناً واقعياً. كان ثورياً لكن بطريقة تطورية.

 

هناك مقولة يرددها صدام أن التاريخ يكتبه المنتصر. لكن هذا ليس صحيحاً. قيادات كثيرة لم تحقق النصر، لكن بقيت قيادات مهمة في الذاكرة الشعبية في رمزيتها وفي دورها. ويمكنني أن أسوق لك الكثير من هذه الحالات. الملا مصطفى كان شخصية فريدة، ليس فقط على مستوى أكراد العراق، بل أيضاً على مستوى الكرد في تركيا وفي سوريا وفي إيران وفي القوقاز وغيرها. شخصية فذة.

 

 

مسعود بارزاني وجلال طالباني أمام رسم للملا مصطفى بارزاني عام 1992 (غيتي)

* الملا مصطفى لم يحقق حلم الإقليم. حققه مسعود بارزاني. كيف تنظر إلى تجربة العمل بقيادة مسعود؟

 

- تجربة ناجحة، وهو دائماً يفتخر أنه لن يصل إلى مستوى أو مرتبة والده في الجاذبية والقيادة. لكن أيضاً هو تَعِب شخصياً كثيراً على بناء هذا الإقليم، وما تحقق على يديه كبير. لكنه إلى الآن غير مرتاح لهذا الموضوع، صرف كل جهده

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

تابعنا